الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ ٱللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ }

{ فِى قُلُوبِهِمْ مَرضْ } أى شرك، وفى لسانهم صحة أعنى إسلاماً، وذلك فى مبدأ سماعهم بالوحى وغلبة الإسلام، ثم لما قوى الإسلام وأهله، وتضافر الوحى اشتد الشرك فى قلوبهم وكثر، لأنه كلما سمعوا أمارة قوة الإسلام وأهله، أو رأوها، أو أنزلت آية، أو وقعت معجزة، أنكروا ذلك، فكثر إنكارهم، وكل إنكار من ذلك شرك، فكثر شركهم المعبر عنه بالمرض كما أخبر الله عنه بالزيادة فى قوله { فَزَادَهُمْ اللَّهُ مرضاً } أى خذلهم فازدادوا شركاً مترتباً ومسبباً عن الشرك السابق لهم، بزيادة نزول الآيات وأمر الإسلام، وسمى شركهم مرضاً لأنه خفى فى قلوبهم، كما أن المرض يتألم به القلب، وقد لا يظهر أثره على الجسد، وقد يظهر أثره عليه ولا يتعين، فقد ترى أصفر رقيقاً فيحتمل عندك أن ذلك من خلقته، وقد يتعين. وعلى كل حال فأصل المرض خفى، والذى يظهر إنما هو أثره. أو سمى شركهم مرضاً لأنه يضعف دين الإسلام، كالمرض يضعف البدن، وذلك فى الجملة، لا خصوص دين الإسلام بقيد كونه فيهم، فإنه لا دين إسلام فيهم، لأنهم مشركون باطناً مسلمون ظاهراً، ومرادى بإضعافه فى الجملة أن كثرة الشرك تضعف أهل الإسلام، ودين الإسلام، وأن كل شرك قدح فى الإسلام وأبطأ له ولو قل، وإن فرضنا أن فى قلوبهم إسلاماً ضعيفاً، كرجل أضعفه الشك الذى يطرأ عليه، ويتردد عليه مرة بعد مرة، كان شكهم شركاً يضعف ذلك الإسلام الذى فيهم، كما أن المرض المجامع للصحة فى البدن الواحد يضعفها، أو سمى الشرك مطلقاً مرضاً لأنه مانع من المنافع المترتبة على الإسلام فى الدنيا والآخرة، كما أن المرض مانع لذة المطعم والمشرب والمنام، بل الإسلام نفسه أمر حسن لذيذ يمنعه الشرك والشك، أو لأنه مؤد إلى تنغيص الحياة بتوقع السلب والمغنم والسبى والقتل، أو الذل والجزية فى الجملة، وإلى حياة عذاب فى الآخرة، كما أن المرض ينغص الحياة. ويحتمل أن يراد بالمرض حقيقة المرض، فإن قلوبهم تتألم بذكر الإسلام وأمره وقوة أهله، وزوال الأمر من أيديهم من الرياسة وغيرها حسداً منهم، فإن الحسود يعذب نفسه لحسده، وكلما ازداد ذلك ازدادوا تألماً وحسداً، وكلما ازدادت التكاليف ازدادوا ذلك إذا رأوا المؤمنين متشبثين بالتكليف بها لا يضعفون عنها، وأيضاً قلوبهم قد تلأمت بالخوف والضعف والذل حين ولو أمر المسلمين، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فى ازدياد وتضاعف نصر على الأعداء، وتبسطاً فى البلاد، فذلك مرض حقيقى ويحتمل أن يراد الوجهان معاً فى الآية، لأن المرض فيهما حقيقى، وإما أن يرادا معاً أو أحدهما مع ما مر أولا، من تخريج المرض على المجاز، فلأنه جمع بين الحقيقة والمجاز، ولو أجازه بعض، وضابط ذلك ان المرض حقيقة فيما يخرج به البدن عن الاعتدال الخاص، ويوجب الخلل فى أفعال البدن أو فى خروج البدن عن ذلك، ومجاز فى المعاصى النفسانية كالجهل والشرك والحسد، وحمل الآية على المجاز أولى لأنه أبلغ من الحقيقة، وإنما أسند الله سبحانه وتعالى الزيادة إلى نفسه لأنها بمعنى خذلان خلقه الله لهم.

السابقالتالي
2 3 4