الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱذْكُرْ فِي ٱلْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَّبِيَّاً } * { وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً }

{ وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ إدْرِيسَ } هو خنوخ. وقيل أخنوخ وهو سبط شيث. وجدّ نوح. قيل هو إدريس بن فرد. وقيل ابن نارد بن مهلاييل بن قينان بن نوش بن شيث بن آدم وأمه أشوة قيل سمى إدريس لكثرة دارسته صفحه الثلاثين. قيل وصحف آدم. وهو إفعيل من الدرس كذا قيل. واعترض بأنه لو كان إفعيلا من الدرس، وأنه سمى لكثرة الدرس لكان عربيا فلا يمنع الصرف لوجود العلمية وحدها. بل هو عجمى، وبذا منع الصرف. وكذا إبليس عجمى وليس من الإبلاس كما يزعمون، ولا يعقوب من العقب، ولا إسرائيل من السرال كما زعم ابن السكيت. ومن لم يحقق ولم يتدرب الصناعة فكثرت منه أمثال هذه الهنات. نعم لا يبعد أن يكون معناه فى تلك اللغة قريبا من ذلك فلقب به لكثرة درسه فحسبه الراوى مشتقا من الدرس. وكان خياطا. وهو أول من خاط، وأول من خط بالقلم - على قول، وأول من لبس الثياب، وكانوا من قبل يلبسون الجلود، وأول من اتخذ السلام وقاتل الكفار، وأول من نظر فى النجوم والحساب، وأول من ألقى السماد والعَذِرة فى الأرض للحرث. { إنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً وَرَفَعْنَاهُ مَكَاناً عَلِيّاً } أى فى مكان علىٍّ وهو شرف النبوة والزلفى. وقال الحسن الجنة ولا شئ أعلى منها. ولما أنشد النابغة الجعدى بحضرة رسول الله صلى عليه وسلم
بلغْنا السماء مجدُنا وسناؤنا وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا   
قال صلى الله عليه وسلم إلى أين يا أبا ليلى؟ قال إلى الجنة إن شاء الله أو قائل إن شاء الله هو النبى صلى الله عليه وسلم. وقيل فى السماء السابعة. وقيل السادسة. وقيل الرابعة وهى رواية أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه رأى إدريس فى الرابعة ليلة المعراج وهو حى فى أحد تلك المواضع إلى الآن. قال الثعلبى فى عرائس القرآن سار يوما فى حاجة فأصابه حر الشمس. فقال يا رب إنى مشيت يما فتأذيت بها فكيف بمن يحملها خمسمائة عام فى كل يوم! اللهم خفف عنه من ثقلها وحرها يعنى الملَك الموكل بها. قلت المشهور أن الملائكة لا مشقة عليهم فكأن إدريس لم يطلع على ذلك فلما أصبح الملَك وجد من خفة الشمس وزوال حرها ما لا يعرفه إلا الله فقال يا رب خلفتنى لحمل الشمس فما لاذى قضيت فىَّ؟ قال أمَا إن عبدى إدريس سألنى أن أخفف عنك ثقلها وحرها فأجبته - إذا قلنا لا يشق عليهم شئ فالإجابة جارية على مقتضى فهم إدريس -. فقال يا رب أجمع بينى وبينه، واجعل بينى وبينه خُلة فأذن له، وهذا من الملك رحمة لهذا الذى دعا له ولو كان ثقلها وحرها لا يضرانه لعلمه بشفقته عليه.

السابقالتالي
2 3