الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّيۤ إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً }

{ قَالَ سَلاَمٌ عَلَيْكَ } لا أجازيك ولا أصيبك بمكروه. وذلك أنه لم يؤمر بقتاله، وفى ذلك توديع ومتاركة ومقابلة السيئة بالحسنة، وخطابُ حليم لسفيه، كقوله عز وجللنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغى الجاهلين } وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما } وفيه دليل الهجران والمفارقة. وقيل ذلك سلام تحية. والجمهور الآن على منع ابتدائك الكافر بالسلام. ويجوز أن يكون تحية كما قال غير الجمهور فإن الدعاء بالسلام ليس بأشد من الاستغفار الذى وعده ووفى به، وقصده بالتحية استمالة قلبه. { سأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّى } سأسأل ربى أن يوفقك للتوبة والإيمان فتنال المغفرة وذلك حين أعياه أمره. وقد وفى بوعده بقوله المذكور فى الشعراءواغفر لأبى } وهذا قبل أن يَبِين لإبراهيم بالوحى، أو بالموت على الكفر أنه عدو لله. وفى الآية دليل على جواز الدعاء بالتوبة، والهداية للكافر ما لم يمت على الكفر، أو ينزل فيه النص على أنه شقى. والمشهور المنع. وأما أن يقال اللهم اغفر ذنوب فلان الكافر فلا يجوز. قيل إلا على شريطة التوبة عن الكفر، وذلك ولاية الشرطية، وهى وبراءة الشريطة غير جائزتين عندنا، وهالك من عمل بهما الآن، وأجازهما بعض أصحابنا المشارقة. وقد حمل بعضهم الآية على استغفاره لذنوب أبيه مشترطا لتوبته، كما ترد الأوامر والنواهى على الكفار. والمراد اشتراط الإيمان وكما يؤمر المحدِث بالصلاة ويراد اشتراط الوضوء ويؤمر الفقير بالزكاة ويراد اشتراط النصاب. وقيل وعده بالاستغفار ووفى لأن عقله يمنع من ذلك. وهذا إيماء إلى أن الأشياء قبل ورود الشرع فيها على الحل، إلا ما يكون فِعله من مَناكر الأخلاق، وفِعله من محاسنها. ولما ورد الشرع بامتناع الاستغفار للكافر امتنع قال عز وعلاإلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك } فلو كان إبراهيم قبل شارطا للإيمان لم يكن مستنكَراً ومستثنىً عما وجهت فيه الأسوة. { إِنَّهُ كَانَ بِى حَفِيّاً } الباء متعلقة بما بعدها. والحفى البار. وقيل البليغ فى البِر والألطاف. وعن الكلبى - الحفى الرحيم. وقيل اللطيف. وقيل ذو المنزلة، أى هو بى حفى فيجيب دعائى ولا يرده، وقد عودنى الإجابة. وفى ذلك شكر من إبراهيم عليه السلام لنعم الله تعالى.