{ إذْ } بدل من إبراهيم وما بينهما معترض، كقولك رأيت زيدا - ونعم الرجل - أخاك بإبدال الأخ من زيدا. ومتعلق بكان أو بصديقا أو بنبيا. { قَالَ لأَِبِيهِ } آزر { يَا أَبَتِ } التاء عوض من ياء الإضافة. ولذلك لا يقال يا أبتى ويقال يا أبتا. وإنما يذكر ذلك استعطافا ولذا كرر. قاله القاضى. قلت لا يقال يا أبتى لئلا يجمع بين العوض والمعوض عنه كما هو مشهور. قيل ويقال يا أبتا لعدم الجمع بين ذلك إذ الألف بدل من الياء لا من التاء. وأقول هذا أيضا جمع بين العوض والمعوض عنه فإن التاء عوض عن الياء والألف بدل من الياء فكأنه جمع بين الياء والتاء. نعم لم يجمع بين لفظ الياء ولفظ التاء. وقد يقال يا أبتى بالياء وهو ضرورة خلافا لكثير من الكوفيين ويا أَبتا أسهل لذهاب صورة المعوض عنه. وقال ابن مالك الألف فى يا أبتا ليست بدل ياء بل هى الألف التى يوصل بها آخِر المندوب والمنادى البعيد والنكرة. { لِمَ تَعْبُدُ } استفهام للإنكار والتوبيخ { مَا لا يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ } يجوز أن يحمل نفى السمع والإبصار على كل المسموعات والمرئيات. { وَلا يُغْنِى عَنْكَ شَيْئاً } من الأشياء، فلا يجلب لك نفعا ولا يدفع عنك ضررا. وكان إبراهيم جامعا لخصائص الصِّدِّيقين والأنبياء حين خاطب أباه بتلك المخاطبات. وذلك أن أباه يعبد الأصنام، فدعاه إلى الهدى وبيَّن ضلاله، واحتج عليه أبلغ احتجاج، وأرشده برفق وحسن أدب، حيث لم يصرح بضلاله، بل طلب العلة التى تدعوه إلى عبادة ما يستخف به العقل الصريح، ويأبى الركون إليه، فضلا عن عبادته التى هي غاية التعظيم، ولا تحق إلا لمن له الاستغناء التام والإنعام العام، وهو الخالق الرزاق المحيى المميت المعاقب المثيب. ونبَّه على أن العاقل ينبغى أن يفعل ما يفعل لغرض صحيح. والمعبود ولو كان حيا مميزا سميعا بصيرا نافعا ضارا لكنه مخلوق، لاستنكف العاقل عن عبادته وإن كان أشرف الخلق كالملائكة والنبيين، لأنه يراه مثله فى الحاجة والانقياد إلى القدرة الواجبة، فكيف إذا كان جمادا لا يسمع ولا يبصر ولا يضر؟! ذكره الزمخشرى. وذُكر عن أبى هريرة عنه صلى الله عليه وسلم " أوحى الله إلى إبراهيم عليه السلام إنك خليلى، حَسِّن خُلقك ولو مع الكفار تدخل مداخل الأبرار فإن كلمتى سبقت لمن حسُن خلقه، أُظله تحت عرشى، وأسكنه حظيرة القدس، وأُدنيه من جوارى ".