الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ نِدَآءً خَفِيّاً } * { قَالَ رَبِّ إِنَّي وَهَنَ ٱلْعَظْمُ مِنِّي وَٱشْتَعَلَ ٱلرَّأْسُ شَيْباً وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّاً }

{ إِذ نَادَى } دعا وقيل نادى نداء مشتملا على الدعاء متعلق برحمة { رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا } سرا جوف الليل لأنه أسرع للإجابة وأبعد من الرياء وأدخل فى الإخلاص مع أن الجهر والإخفاء عند الله سيان. وقيل أسرَّ دعاءه خوفا من مواليه. وقيل لئلا يلام على طلب الولد فى زمان الشيخوخة. وقيل لضعفه وهرمه فإنه ابن ستين سنة أو خمس وستين أو سبعين أو خمس وسبعين أو خمس وثمانين أقوال. وفسر النداء بقوله { قَالَ رَبِّ إنِّى وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّى } أى ضعف. وقرئ بضم الهاء وكسرها. والعظم الجنس ومنى حال من العظم أو نعته لأنه للجنس وخص العظم بالذِّكر لأنه عمود البدن وبه قوامه وهو أصل بنائه فإذا ضعف تساقطت قوته ولأنه أشد ما فيه وأصلبه فإذا ضعف كان ما وراءه أضعف وقيل العظم أسنانه ضغفت فهى تتساقط. { وَاشْتَعَلَ } انتشر. { الرَّأْسُ } وعن أبى عمرو إدغام السين فى الشين. { شَيْباً } تمييز محول عن الفاعل وأل فى الرأس للتعريف الحضورى أو على طريق تعريف الذهن، تعالى الله عن الذهن فإن الله عالم بأن مراده رأسه والمخاطب بالقرآن يعلم المراد أيضا أو أل نائب عن الضمير ويقدر الرأس لى أو منى. وأسند الاشتغال للرأس مبالغة عظيمة وكان يكفى مبالغة أن يسنده إلى ما حل فى الرأس وهو الشعر. والأصل اشتعل شيب الرأس فحول الإسناد لفائدة الإبهام ثم الإيضاح وللتعظيم بالتنكير فإن اشتعال الرأس مبهم وفى قوله شيبا إيضاح وتنكير. وشبّه الشيب فى بياضه وإنارته صفية لا دخان فيها وشبّه انتشاره فى الشعر باشتعالها ثم أخرج مخرج الاستعارة المركبة وهى التمثيلية بسطتها فى شرح عصام الدين ولكنها فى الشق الثانى تبعية بعد أصلية لأنه يشبه انتشاره باشتعالها وسماه اشتعالا واشتق من الاشتعال اشتعل بمعنى انتشر ولا يكاد الفصيح يخرج الكلام على الاستعارة البسيطة ما وجد المركبة ولا يخفى ما فى الآية من أنواع الفصاحة والبلاغة. { وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيّاً } لم أك فيما مضى خائباً بدعائى إياك فلا تخيبنى فيما أتى وذلك تنبيه على أن الله عوَّده الإجابة وأطعمه فيها ولا يخّيب الكريم من أطعمه وعلى أن المطلوب وهو الولادة ولو لم يكن معتاداً لأنه شيخ لكن الإجابة معتادة وفى ذلك توسل بما سلف. روى أن محتاجا سأَل بعضاً وقال أنا الذى أحسنت إلىَّ وقت كذا فقال له مرحباً بمن توسل بنا إلينا وقضى حاجته. وقيل المعنى دعوتنى للإيمان فآمنت ولم أشق بترك الإيمان والباء متعلق بلم أى انتفى الكون شقيّاً بدعائى إياك لأنه لو لم يدعه لخاب ولو علق بأكن أو بشقيا لصح لأنه إذا طلب طالب فلم يظفر قيل كان بسبب دعائه خائباً أو شقىَ بدعائه وذلك أن طلبه هو الذى يظهر ظفره أو شقاوته وإضافة دعاء للكاف من إضافة المصدر للمفعول وأما على معنى دعوتنى فآمنت فإضافة لفاعله.