الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَٱنْطَلَقَا حَتَّىٰ إِذَا رَكِبَا فِي ٱلسَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً }

{ فَانطَلَقَا } يمشيان على الساحل يطلبان سفينة يركبانها ومعهما يوشع فالخضر يعلم فى نفسه سبب طلب السفينة وموسى ويوشع لا يدريان ولو علما أن طلبها للركوب وسببه هو ما يذكر بعد من خرقها وقتل الغلام وإتيان القرية ويحتمل أن الخضر لم يعلم ذلك أيضا أو علم بعضه فقط ولكنه أراد ركوبها رجاء لحكمة تجرى على يده فرأوا سفينة فأشاروا إليها فجاء بها أصحابها فعرفوا الخضر فحملوهم بلا أجرة رواه أبى بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل إن أهل السفينة قالوا إن هؤلاء لصوص وأمروهم بالخروج فقال صاحبها ما هم بلصوص ولكن أرى وجوه الأنبياء. ولما كانت فى لجة البحر أخذ الخضر فأسا فقلع لوحاً. وقيل لوحين من قمرها مما يلى الماءَ وبقى الماء لا يدخلها بإذن الله تعالى وجعل موسى يحشو الموضع بثوبه. وقيل قلع من جانبها مما فوق الماء مما يلى الماء فجعل موسى يحشو ذلك بثوبه كما قال الله سبحانه وتعالى { حَتَّى إِذا رَكِبَا فِى السَّفينَةِ } ومعهما يوشع وإنما لم يذكر لأنه تابع لموسى فهو كزاد الإنسان وسائر متعلقاته ولأن المقصود بالذات موسى والخضر. { خَرَقَهَا } أى الخضر وهى جديدة وثيقة { قَالَ } موسى { أَخَرَقْتَهَا } استفهام إنكار وتوبيخ. { لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا } وقد أحسنوا إلينا وحملونا بلا أجرة وذلك ظلم عظيم ولو حملونا بأجرة ولم يحسنوا إلينا. وإنما قال لتغرق أهلها لأن غرقها سبب ملزوم لدخول الماء فيها ودخوله فيها مغرق لأهلها ولام لتغرق لام الصيرورة أى أخرقتها. فيئول أهلها إلى الغرق. ويحتمل التعليل بأن غلب على موسى التوهم أن الخضر أراد بخرقها غرقهم وذلك أن الحمية على الحق تأخذ المصلح عند معاينة الفساد وكان موسى أشد الناس فى ذلك، على نبينا وعليه الصلاة السلام ولذلك أنكر عليه ناسياً لشرطه مع أنه عالم بأن الخضر هو المعصوم الذى أمره الله سبحانهُ بالسفر معهُ واتباعه واقتباس العلم منه. وقد روى أنه جره من رجله ليلقيه فى البحر وقد علم أنه لا يضره الماء ولا يغرقه. ويمكن أن يكون جره ليخرجه منها لا إرادة لإغراقه وأظن أن ذلك كله غاب عن غفلة حين رأى ذلك. وقرئ لتغرق بالتشديد للمبالغة والتأكيد وقرأ حمزة والكسائى ليغرق بفتح الياء التحتية والراء والتخفيف أهلها بالرفع. { لَقَدْ جِئتَ شيْئاً إمْراً } أى شيئاً عظيما وهو نعت لشيئاً يقال أمر الأمر أى عظم حتى إنه لينكره العقل. وقد فسره مجاهد فى المنكر قيل لقد أَمِر أمْر ابن أبى كبشة أى عظم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو كبشة أبوه من الرضاع. قال ابن عباس رضى الله عنهُ لما خرق الخضر السفينة تنحى موسى بناحية من السفينة وقال فى نفسه ما كنت أصنع بمصاحبة هذا الرجل كنت فى بنى إسرائيل أتلو كتاب الله عليهم غدوا وعشيا وآمرهم فيطيعونى. فقال لهُ الخضر أتريد أن أخبرك بما حدثت به نفسك؟ قال نعم. قال كذا وكذا. قال صدقت. وروى أن يوشع قال لموسى - حين قال أخرقتها الخ - يا نبى الله اذكر الشرط الذى بينكما.