الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً }

{ عَسَى رَبُّكُمْ أن يَرْحَمَكُمْ } بعد المرة الثانية فيرد دولتكم إِن تبتم. قال فى عرائس القرآن قال محمد ابن اسحاق بن بشار وغيره من أهل الأَخبار كانت بنو إِسرائيل يرتكبون الأَحداث والذنوب بعد موسى عليهِ الصلاة والسلام، وكان الله سبحانهُ يتجاوز عنهم ويحسن إِليهم وكان أول ما نزل بهم لذنوبهم ملكاً منهم يدعى صديقه، وكان الله إِذا ملك عليهم ملكاً بعث معهُ نبياً يسدده ويرشده ولا ينزل عليهم كتاباً إنما يؤمرون بأَحكام التوراة فبعث الله عز وجل شعياء بن أمضياء يسدد ويرشد صديقه، وشعياء هذا هو الذى بشر ببيت المقدس حين شكا الخراب، فقال أبشرى سيأْتيك راكب الحمار ومن بعده صاحب البعير وصاحب الحمار هو سيدنا عيسى وصاحب البعير وسيدنا محمد - صلى الله عليهما وسلم - وكان شعياء قبل مبعث زكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام وبقى الملك لصديقه وشعياء يرشده ولما عظمت فيهم الأَحداث بعث الله عليهم سنجاريب ملك بابل معه ستمائة ألف راية فنزل بيت المقدس وقد هابهم الناس وفروا منهم فكبر ذلك على الملك وهو مريض فى ساقه قرحة، فقال لشعياءٍ يا نبى الله هل أتاك وحى من الله تعالى فيما حدث فتخبرنا كيف يفعل الله بنا وبسنجاريب وجنوده. فقال لا، فبينما هم كذلك إِذا أوحى الله إِلى شعياء عليهم السلام أن ائت ملك بنى إِسرائيل فمره أن يوصى بوصيته ويستخلف على أهل مملكته من يشاء من أهل بيته وعشيرته ومراد الله سبحانهُ وتعالى بذلك بيان أن الاجل كأَنه قد حضر ولو طال وبقيت له خمس عشرة سنة وبيان نعمة الله عليه إِذ أنجاه وجنوده من سنجاريب، كان كمن حضره الموت يقينا فنجى منه وإلا فقد بقى من أجله خمس عشرة سنة، والمراد أن عمره قسمان قد انقضى القسم الأَول وبقى القسم الثانى الذى زاده الله لدعائه وتضرعه الذى أذكره فيما بعده بقليل، وهذا القسم الثانى قضاه الله فى الأَزل وعلم به أيضاً والله أعلم، فأَتى شعياء صديقه فأخبره بذلك فاستقبل القبلة يصلى وبكى ودعا وقال فى دعائه وهو يبكى اللهم رب الأَرباب إِله القدوس المتقدس، يا رحمن يا رحيم، يا رءوف الذى لا تأْخذه سنة ولا نوم، اذكرنى بعملى وفعلى وحسن قضائى، وذلك كله كان منك وأنت أعلم به منى، سرى وعلانيتى لك. فأوحى الله جل جلاله إِلى شعياء أن خبر صديقه أنى استحييت له ورحمته وأخرت أجله خمس عشرة سنة وأنجيته من عدوه سنجاريب فأخبره بذلك شعياء عليه السلام، ومعنى أخرت أجله أى قضيت له فى الأَزل خمس عشرة سنة يعيشها بعد هذه المدة التى هى فى صورة حضوره الموت، فلما أخبره ذهب عنه الحزن والوجع وخر لله ساجداً، وقال يا إِلهى وإِله آبائى لك سجدت وسبَّحت وكرمت وعظمت، أنت الذى تعطى الملك لمن تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء عالم الغيب والشهادة الأَول والآخر والظاهر والباطن، وأنت ترحم وتجيب دعوة المضطرين، أنت الذى أجبت دعوتى ورحمت تضرعى، فلما رفع رأسه أوحى الله إِلى شعياء أن قل للملك صديقه يأْمر عبداً من عبيده فيأْتيه بالتين ويجعله على قرحته فيبرأ ففعل ذلك وبرئ، وقال الملك لشعياء سل ربك أن يجعل لنا علماً بما هو صانع بعد فينا.

السابقالتالي
2 3 4 5 6 7 8 9 10  مزيد