الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ ٱلسَّمْعَ وَٱلْبَصَرَ وَٱلْفُؤَادَ كُلُّ أُولـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }

{ وَلاَ تَقْفُ } لا تتبع من قفاه يقفوه بمعنى اتبعه وقرئ بضم القاف وإِسكان الفاء من قاف يقوف كقال يقول، أى اتبعه وهما لغتان بمعنى كعتا وعات ومنه القافة جمع قايف، وهو متبع الأَثر العالم بمؤثره أصله قوفة بفتح الواو قلبت الفاء لتحركها بعد فتحه، حكى ابن جرير الطبرى أن ذلك لغة فرقة. { مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } أى لا تتبع فى قول أو فعل ما ليس لك به اعتقاد جازم، فالآية نهى عن التقليد لمن له قوة على معرفة الحق بأدلته وعن رجم الغيب ومن لم تكن له قوة جاز له تقليد العالم الأَمين فذلك منه علم، وعن الظن إلا المجتهد فإِن حكمه بعد استفراغ الوسع بشئ، ظن معدود من أنواع العلم لأَنه لا يقبل التشكيك وقد نص الشرع الضم مقام العلم، وأمرنا بالعمل به فى الغالب فإِذا كان ظن المجتهد نوعاً من العلم لم يكن فى الآية دليل على إِبطال الاجتهاد خلافاً لمن زعم ذلك فالعلم الاعتقاد الراجح المستفاد من دليل قطعياً كان أو ظنياً واستعماله فى هذا المعنى شائع كما شاع استعماله فى الاعتقاد الجازم المقابل للاعتقاد الراجح المسمى ظناً، والآية أيضاً نهى عن ولاية من لا يعرف له موجب ولاية وبراءة من لا يعرف له موجب براءة، وعن ولاية الشرط وبراءة الشرط بل إن ظهر لك موجب ولاية فوالله ولا تدخل فى براءته التى لا علم لك بموجبها وشرط كونه عند الله أو فيما خف من أمره مستوجباً لها لا يخرجك عن كونك داخلا فيما لا علم لك به ولا تشترط فى ولايته كونه مستوجبا لها عند الله أو فيما خفى من أمره فإن ذلك استفتاح لباب مبهم ودخول فيه وإن ظهر لك موجب براءة فتبرأ منه ولا تدخل فى ولايته التى لا علم لك بموجبها بشرط كونه أهلا لها عند الله تعالى، أو فيما خفى من أمره ولا تشترط فى براءته كونه أهلا على حد ما ذكر، وذلك أنا كلفنا بما ظهر لنا ونهى الجاهل أن يقلد عالماً فى فعل أو قول بأَن رآه يفعل شيئاً فيفعله أو رآه يقول شيئاً فيقول وإِنما يقلده إِذا قال يجوز له أو لغيره فعل كذا، أو قوله أو أفعل أو قل وكثيراً ما يطمئن القلب إِلى فعل عالم أو قوله الذى لم يأْمر به فيقتدى وهذا فى أهل عمان وغيرهم شائع يستدلون بذلك استدلالا كما تراه مسطراً ولا يكون حجة عندى ولا يجوز عندى ذلك الاقتداء إلا إن ظهر إنما يفعل أو يذكر جائز كبعض الأَدعية إِذا سمعه يذكرها وذلك لإِمكان أن يفعله المقتدى من غير مدخل المقتدى به فلو رأى جاهل عالماً توضأ ثم مشى على نجس ثم فعل هو ذلك لكان خطأ لإِمكان أن العالم تعمد أن يعيد الوضوء بعد ولإِمكان أنه ما مشى عليه إلا بعد ما تيبس ما يلى الأَرض من قدمه، فلو رآه كبر للإِحرام وكبر تكبيرة أخرى أو أكثر ففعل ذلك لكان خطأ لأَن العالم إِذا فعل ذلك فى غير الصلاة العيد مثل إِنما فعله لشك فى شئ من نفس تكبيره الأَول أو تيقنه الخلل فى شئ مما قبل التكبير فتكبيره الأَول وما بعده ملغى عنده، وإِنما اعتد بالأَخير، والجاهل إن فعل ذلك مقتدى به إِنما ينوى الأَول إِحراماً، وما بعده زوائد جائزة عنده فى زعمه، وهكذا ما أشبه ذلك، ونهى عن التجسس والبحث عن العورات إلا إِذا رجعت أمارة فيجوز أن تتبعها بالتفحص عن مقتاضها حتى يصح أو تضمحل، ونهى عن كتابه ما لا يعلم معناه إِذا خيف أن يكون كفراً أو سحراً وكتابة حروف لا يدرى ما هى كذلك إلا إن كان ذلك عن ثقة، وقد قيل إِذا كانت تلك الطلاسم مختومة بالشين جاز كتابتها ولو لم يدر ما هى، ذكره الشيخ الحاج إِبراهيم بن نجمان ونهى عن تتبع ما لا علم لك به دينياً أو دنيويا، وقيل الآية مخصوصة بالعقائد، وقيل بالرمى والزور، فإِن قفا وقاف يستعملان فى القدف.

السابقالتالي
2 3