الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوۤاْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِٱلْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ ٱلْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً } * { وَٱخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ ٱلذُّلِّ مِنَ ٱلرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ٱرْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً }

{ وَقَضى رَبُّكَ } قال ابن عباس أمر، وقيل أوجب وقيل حكم الحكم الجازم، وقيل وصى وقد قرأ الضحاك ووصى، وكذا قرأ ابن عباس فى رواية وابن مسعود وكذا هى فى مصحفه، وأخطأ من زعم أن هذا هو القراءة وإِن القراءة بالقاف تحريف منها بأَن ألصق الكاتب الواو بالصاد فصار قافاً، وكانت المصاحف غير منقوطة، خطأً عظيماً يؤدى إِلى أن لا يوثق بالقرآن وإِلى الطعن وقد حفظ الله سبحانه القرآن عن أن يغير. وعن ابن عباس وأوصى ويجوز أن يكون المعنى سبق علم الله فى الأَزل فيكون الخطاب فى تعبدوا للمؤمنين خاصة إِلى يوم القيامة ولا نافية وأن ناصبة والباء مقدرة أى بأَن لا تعبدوا وعلى الأَوجه السابقة الخطاب لجميع الناس وإِن ولا كما ذكر أو لا ناهية وأن مفسرة وأجيز أن يكون أن مخففة ولا ناهية وقوله وقضى ربك.. الخ. كالتفضيل لسعى الآخرة { أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ } أى إِلا ربك لأَنه الذى له الغاية العظمة ونهاية الإِنعام والعبادة غاية التعظيم فلا يستحقها إِلا من هو كذلك وقرأ بعض ولد معاذ بن جبل وقضاء ربك بالمد على الابتداء وأن لا تعبدوا خبر على أن لا نافية وأن ناصبة { وَبِالْوَالِدَيْنِ } أى وإِن تحسنوا بالوالدين فهو متعلق بمحذوف وذلك المحذوف معطوف على أن لا تعبدوا بأن ولا. لا على تعبدوا بدون ولا وإِلا تسلط النفى أو النهى عليه وليس بمراد وكأَنه قيل وقضى أن تحسنوا بأَن الناصبة أو بأَن تحسنوا أو وقضى أن تحسنون بأَن التفسيرية ويجوز تعليقه بمستأنف محذوف أى واحسنوا بالوالدين بكسر السين على الأَمر، ويجوز عطفه على لا تعبدوا إِذا جعلت لا ناهية ولا يجوز أن يعلق بقوله { إِحْسَاناً } لأَنه مصدر والمصدر لا يسبقه معموله، وقيل بالجواز لأَن معموله جار ومجرور، وقيل يجوز لأَنه مصدر لا ينحل إِلى الموصول الحرفى والفعل، لأَنه عوض من اللفظ بفعله وإِنما الذى لا يجوزه فيه ذلك هو الذى لا ينحل إِلى الموصول الحرفى والفعل، لأَن الموصول لا تقدم عليه صلته { إِمَّا } أن الشرطية وما التى هى صلة للتأْكيد أدغمت نون أن فى ميم ما ويدل لذلك تأكيد الفعل بعد بالنون ولو جردت " أن " عن " ما " لكان غير جائز تأْكيده. { يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا } فاعل يبلغ. { أَوْ كِلاَهُمَا } عطف على أحدهما، وقرأ حمزة والكسائى يبلغان بنون توكيد مشددة بعد مكسورة ألف اثنين وهما الوالدان، وحذفت نون الرفع للجازم وأحد بدل من الأَلف، ومعنى بلوغهما الكبر عندك أن يكونا فى بيته قائماً بهما فى حال كونهما قد كبرا وعجزا وكانا كلا عليك. { فَلاَ تَقُلْ لَّهُمَا أُفٍّ } بالتنوين للتنكير وهو مبنى على الكسر لالتقاء الساكنين وذلك قراءة نافع وحفص هنا، وفى الأَنبياء والأَحسن، وقرأ ابن كثير وابن عامر ويعقوب بناء على الفتح تخفيفاً بلا تنوين، وقرئ بالفتح والتنوين، وقرئ بالضم منوناً وغير منون اتباع للهمزة كمنذ، والساكن جائز غير حصين ولا سيما المدغم وهو على ذلك كله اسم صوت يدل على ضجر وملل، وقيل اسم للصوت الذى يخرج من فم من ينفخ على شئ يقم عليه كرماد وتراب مما يكرهه ليزيله بالنفخ ثم توسعوا بذكره عند كل مكروه يصلهم، وقيل اسم للفعل المضارع الذى هو اضجر وأمَلَّ أو أكره أو تقدر ونحو ذلك، وعليه ابن هشام وفسر بعضهم أفٍ تباً وقبحاً، والمراد نهى الإِنسان أن يقول لوالديه أفٍ، إِذا رأى منهما ما استقذره أو يستثقله، ويفهم غير هذا اللفظ من الأَلفاظ السوء المساوية والتى هى أعظم ومن الأَفعال المضرة كالضرب من ذلك اللفظ، لأَن العلة إضرارهما فهو منهى عنه بأَى لفظ كان، ويجوز أن يكون المراد جميع ذلك بالكناية، أى لا تقل لهما شيئاً مما يضرهما ولا تفعل شيئا يضرهما وعلى هذا فلا مفهوم بخلاف الأَول، فإِن فيه مفهوم الخطاب الذى المسكوت عنه حكمه حكم المذكور، فما كان مساوياً فى التأْفيف فمفهوم المساواة ويسمى المحوى، وما كان أعظم فمن التنبيه بالأَذى على الأَعلى كالشتم والضرب ويسمى لحن الخطاب، وفهم النهى عن ذلك بطريق القياس، وقيل بطريق العرف، وقيل بطريق اللفظ وهو الذى يتبادر.

السابقالتالي
2 3 4 5 6