الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَعَلْنَا ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ ٱلَّيلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ ٱلنَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً }

{ وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ } أعينهما أنفسهما، { آيَتَيْنِ } علامتين دالتين على وجودنا ووحدانيتنا وقدرتنا وحكمتنا تدلان بسبب تعاقبهما لأَنهما يتعاقبان على نسق واحد مع إِمكان غيره فدلا على أن لهما مدبراً خصهما بحال من الأَحوال الجائزة بل وجود الشئ مطلقاً بعد العدم دليل على أن له موجداً ليس حادثاً لأَن الشئ لا يوجد نفسه والحادث لا يوجد حادثاً { فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ } الإِضافة للبيان أى آية هى الليل ومحوها إِنما هو إِدخال النهار عليه فيكون الإِشراق بالشمس فتزول الظلمة، { وَجَعَلْنَا آيَةَ النَّهَارِ } الإِضافة أيضاً للبيان أى جعلنا بنفسها آية هى النهار { مُبْصِرَةً } ترى هى بنفسها الأَشياء على طريق الإِسناد المجازى فإِن النهار لا يكون رائيا للأَشياء ولكن لما كان سبباً للرؤية وزماناً لها أسند إِليها الرؤية وذلك على أن مبصرة من أبصر المتعدى لواحد محذوف للعلم به والعموم أو لعدم تعلق غرض الكلام به أو يقدر مضاف أى مبصراً أهلها من أبصر المتعدى لواحد أى يبصر أهلها الأَشياء وحذف الواحد لما ذكر ويقرب من هذا الوجه الأَخير فى المعنى أن يكون من باب قولك أجبن الرجل أى صار أهله جبناء فيكون مفيد المعنى كقولك مبصراً أهلها بالهمزة فى أبصر المأْخوذ منه مبصرة لا بتقدير المضاف ويجوز أن يكون مبصرة بمعنى مضيئة، ويجوز أن يكون من أبصر المتعدى لاثنين بالهمزة المتعدى لواحد بدونها، أى تصيرهم باصرين الأَشياء وعلى كل فالمراد أن الله سبحانه وتعالى وعز وجل النهار مشرقاً تظهر فيه الأَشياء، وقيل إِتيان الشمس والقمر فيقدر مضاف أولا أى جعلنا نيرى الليل والنهار آيتين أو الآخر أى وجعلنا الليل والنهار ذوى آيتين والنيران هما الشمس والقمر، ومحو آية الليل وهى القمر جعلها فى نفسها طلساء غير منيرة، فإِنها إنما تستفيد النور من الشمس تشبه خلقها غير مضيئة بإِزالة ضوئها بعد وجوده بجامع عدم النور أو عبر عن خلقها غير مضيئة بالمحو، لأَن المحو فى الجملة سبب لعدم الإِضاءة وملزوم له ويجوز أن يكون المراد لمحو آية الليل نقص نورها شيئاً فشيئاً بحسب قربه من الشمس إِلى أن يستتر ويجوز أن يكون المراد بمحوها كون القمر لا يرى به الشئ رؤية بينة كما يرى بالشمس فعبر عن خلقه أنقص من الشمس بالمحور، لأَن المحو فى الجملة سبب للنقص وملزوم له، ويجوز أن يكون المراد أن القمر قد كان كالشمس فى الإِضاءة فأَزال الله جل وعلا من ضوئه إِلى أن بقى كما هو ليلة تمامه. قال ابن عباس جعل الله نور الشمس مائة جزء، ونور القمر كذلك فمحا من نور القمر ستة وتسعين جزاء فجعلها من نور الشمس، وقل محا من نوره تسعة وتسعين جزءا وبقى جزء واحد.

السابقالتالي
2