الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّمَّا خَلَقَ ظِلاَلاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ ٱلْجِبَالِ أَكْنَاناً وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ ٱلْحَرَّ وَسَرَابِيلَ تَقِيكُم بَأْسَكُمْ كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ }

{ وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّمَّا خَلَقَ } من شجر وجبال وأبنية وسحاب وغير ذلك كغيران فى الأَرض { ظِلالاً } تتقون بها حر الشمس وهى جمع ظل وما جعله يقى البرد أكثر وأعظم نفعاً لأن تحمل الحر أهون من تحمل البرد ولكنهم لما كانت أرضهم حارة خاطبهم بما يستظلون به عن الحر وكذا الكلام فى قوله بعد تقيكم الحر مع أنه يحتمل أنه لم يقل تقيكم الحر والبرد لذكر الوقاية عن البرد فى أوائل السورة إِذ قال لكم فيها دفءٌ فحذفه هنا لذكره وللعلم به وأنه يحتمل أن يكون المراد بحر أو برد بإِظلال ما يشرف عليك ويقيك ما يضرك من حر أو برد { وَجَعَلَ لَكُم مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً } جمع كن وهو ما يختفى فيه من بيت منحوت فى جبل وغار والاكتنان بالبيوت المنحوتة فى الجبال وبالغيران والشجر ونحو ذلك يعرض للأَغنياء إِذا خرجوا بلا بيوت أو خرجوا بها ثم إِذ تفصلوا عنها ويطابق الفقراء الذين لا بيوت لهم { وَجَعَلَ لَكُمْ سَرَابِيلَ } ثيابا من الصوف والكتان والقطن أو غير ذلك وهو جمع سربال وهو الثوب مطلقا من جبة أو قميص أو شملة أو سراويل وغير ذلك { تَقِيكُمُ } تمنعكم { الْحَرَّ } والبرد وتقدير فى البرد بيان للواقع واشتهر أنه من حذف العاطف والمعطوف فى النحو، وبحث فيه ابن هشام بأَن الحذف الذى يلزم للنحوى النظر فيه هو ما اقتضته الصناعة وذلك أن يجد خبرا بدون المبتدأ أو بالعكس أو شرطاً دون جزاء أو بالعكس أو معطوفا دون معطوف عليه أو معمولا دون عامل نحو ليقولن الله ونحو قالوا خيرا ونحو خير عافاك الله وأما قولهم فى نحو سرابيل تقيكم الحر أن التقدير والبرد وفى تلك نعمة تمنها على أن عبدت بنى إِسرائيل أن التقدير ولم تعبدنى ففضول فى علم النحو وإِنما ذلك للمفسر انتهى. وخص الحر بالذكر لما مر أو لأَن وقاية الحر كانت عندهم أهم لأَن بلاد الحجاز حارة وما يهمهم البرد لكونه يسيرا يحتملونه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من لبس ثوباً جديداً فقال الحمد لله الذى كسانى ما أُوارى به عورتى وأتجمل به فى حياتى ثم عمد إِلى الثوب الذى خلق فتصدق به، كان فى كنف الله وفى حفظ الله وفى ستر الله حيا وميتا " رواه الترمذى عن عمر رضى الله عنه وقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " ما اشترى عبد ثوبا بدينار أو نصف دينار فحمد الله عليه إِلا لم يبلغ ركبتيه حتى يغفر الله له " ، رواه الحاكم عن عائشة { وَسَرَابِيلَ } دروعاً من حديد وما يلبس للحرب { تَقِيكُم بَأْسَكُمْ } حربكم أو أن يصيبكم السلاح { كَذَلِكَ } أى كإِتمام هذه النعم التى تقدمت أو كما خلق هذه النعم { يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ } أى يتم نعمته عليكم كما رأيتم أو يتم عليكم نعمته بالدين والإِتمام هو بعثه محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمر بالدين { لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ } تؤمِنُون إِذا نظرتم فى النعم وفيما يقول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو تنقادون لحكمه وتخلصون العبادة والأُلوهية لله سبحانه وتعالى والخطاب لأَهل مكة والمضارع فى يتم نعمته للحال وتسلمون للاستقبال.

السابقالتالي
2