الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ ٱلْسَّمْعَ وَٱلأَبْصَارَ وَٱلأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }

{ وَاللهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ } وقرىء بكسر الباء، { أُمَّهَاتِكُمْ } وقرأ الكسائى بكسر الهمزة تباعاً للنون فإِذا ابتدأ بأمهات ضمها وقرأ حمزة بكسرها وكسر الميم باتباع الهمزة للنون والميم للهمزة وإِذا ابتدأ بأُمهات ضم الهمزة وفتح الميم، هذا ما نسب إِليهما ويحتمل أنهما قرآ بلغة كسر الهمزة فلا يخلف كسرها وصلا ووقفاً والهاء زائدة وشذت زيادتها فى المفرد كقوله أمهتى خندف والياس أى وجملة قوله تعالى { لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً } حال من كاف أى اخرجكم من بطون أُمهاتكم غير عارفين شيئاً ما مستصحبين جهل الجماد الذى هو أصلكم، { وَجَعَلَ لَكُمُ } الواو عاطفة سابق على لاحق فإن جعل السمع والأَبصار والأَفئدة متقدم على الإِخراج ويحتمل أن تكون عاطفة لاحق على سابق باعتبار أن الانتفاع بالسمع والبصر والفؤاد إِنما هو بعد الإِخراج فكأَنها لم تجعل إِلا بعده أو بتقدير محذوف أى وجعل لكم سمع السمع ونظر الإِبصار وفهم الأفئدة أو منافع السمع والأبصار والأَفئدة ويجوز كون الواو للحال المحكية بلا تقدير قد على مذهب وبتقديرها على آخر أى أخرجكم وقد جعل لكم قبل الإِخراج، { السَّمَعَ } أى قوة فى الأُذن تدرك الأَصوات بعد أو نفس الأُذن أو نفس الإِدراك للأَصوات وهذا مختص بما بعده وذلك لتسمعوا دلائل الكتاب والسنة ومصالح معايشكم { وَالأَبْصَارَ } العيون أو القوى المركبة فيها المدركة للألوان ألوان على الواقعة على الأَجسام لتبصروا بها نعم الله سبحانه وكبر أجسامكم بعد صغرها وحدوث ما يحدث فيكم وعجائب ومصنوعات لله سبحانه وتعالى فتستدلوا بها على وجوده ووحدانيته وكمال قدرته، { وَالأَفْئِدَةَ } جمع قلة لفؤاد. والمراد الكثرة ولم يسمع لفؤاد جمع كثرة أى والقلوب لتفهموا بها عظمة الله ودلائل الكتاب والسنة ومصالح معايشكم ودلائل الوحدانية وكمال القدرة وعلى كل حال قد انتقلتم من الجهل الذى أخرجتم عليه من بطون أمهاتكم إِلى العلم بهذه الحواس التى هى العيون والآذان وسائر الأَعضاء التى تدرك جزئيا الأَشياء وتتنبهون بقلوبكم لمشاركات ومباينات بين الأَشياء يتكرر الإِحساس حتى تتحصل لكم علوم بديهية تتوصلون بها إلى علوم كسبية بالنظر فيها وعلى كل حال قد أخرجكم من ضيق البطون إِلى السعة ومن الجهل والرذالة إِلى العلم والإِنعام بتكميل الأَعضاء ومنافعها وسائر النعم فالآية تتضمن استدلالا على القدرة كأَمر وتتضمن امتنانا بالنعم واستدعاء للشكر كما صرح به فى قوله جل وعلا. { لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } أى لتشكروا ما يتعاقب عليكم من النعم وما يترادف بالإِيمان واستعمال هذه الجوارح وغيرها فى العبادة.