الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْداً مَّمْلُوكاً لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَمَن رَّزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً } بدل من مثلا وقيل إِن الضرب فى الأَمثال بمعنى التصيير ويتعدى لاثنين فيكون مفعولا أولا ومثلا مفعولا ثانياً { مَّمْلُوكاً } لعبض الناس وهذا مخرج للحر فإِنه أيضاً عبد الله لكنه غير مملوك لأَحد من الناس والمكاتب حر عندنا ولو لم يعط شيئاً، { لاَّ يَقْدِرُ عَلَى شَىْءٍ } من التصرف فى المال لعدم ملكه شيئاً مع عدم تسريح مولاه إِياه وعدم إِذنه له فى التجرى فخرج المأْذون له والمسرح، وقال المحالفون إِن المكاتب عبد ما بقى عليه درهم وعليه فهو خارج بقوله عز وجل لا يقدر على شىء، روى أبو داود عن ابن عمرو عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ " المكاتب عبد ما بقى عليه من مكاتبته درهم " ومقابلة العبد بالمالك وجعله قسيماً له يدلان على أن العبد لا يملك وهو مذهبنا ومذهب الجمهور وقيل يملك، { وَمَن } عطف على عبداً وهى نكرة موصوفة أى وحرا، { رَّزَقْنَاهُ } أو موصولة أى والذى رزقناه والأَول أولى ليطابق عبداً، { مِنَّا } أى من عندنا أو من رزقنا وفيه عمل رزق فى ضميرين مرجعهما واحد والظاهر عندى أنه يجوز لنا أن نقيس على ذلك إِذا توصل العامل إِلى أحدهما بحرف الجر لكثرته فى القرآن وتأْويل الكثير لا يحسن، { رِزْقاً حَسَناً } حسن جودة وكثرة { فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرّاً وَجَهْراً } يتصرف فيه كما يشاء ولا يعارضه أحد لله سبحانه فيمنعه وذكر السر والجهر كناية عن كمال يمكنه من الإِنفاق منه فإِن من لا يتمكن من شىء جهراً يفعله سرا مثل نفسه بالحر المالك الذى رزقه الله مالا جيداً كثيراً يتصرف فيه كما شاء ومثل الأَصنام مملوك عاجز عن التصرف أصلا فكأنه قيل مثلكم فى إِشراك الأَصنام بالله كمثل من سوى بين العبد ومالكه وهذا لا يقبله العقل مع استواء المالك منكم والمملوك فى الجنسية وأصل الاحتياج والعجز فكيف تستوى الأَصنام التى هى أعجز من العبد إِذ هى جماد فالله جل جلاله القادر الغنى على الإطلاق الرازق فى أعظم شىء وهو العبادة، وهذا قول مجاهد والضحاك والزجاج وهو أولى لمناسبته ما قبل وما بعد فى تبيين أمر الله والرد على أمر الأَصنام، وقال ابن عباس وقتادة العبد المملوك الذى لا يقدر على شىء مثل للكافر والمرزوق رزقاً المتصرف فيه سراً وجهراً مثل للمؤمن وذلك أن الكافر محروم من عبادة الله والثواب عليها فهو كالعبد فى الذلة والفقر وأنه لم يقدم خيراً فيما رزقه الله من المال فهو فقير من حسنات الصدقة كأنه لم يملك شيئاً والمؤمن مثاب بعبادة الله وصدقته فهو عزيز غنى. وقال عطاء العبد المملوك أبو جهل والحر المالك أبو بكر رضى الله عز وجل عنه، { هَلْ يَسْتَوُونَ } عبر بضمير الجماعة عن اثنين وذلك مجاز على الصحيح وقيل حقيقة أو عبر به نظراً للمعنى فإِن المراد جنس العبيد الذين لا يقدرون على شىء وجنس الأَحرار المالكين والاستفهام توبيخ وإِنكار أى لا يستوى الحر والعبد أو المؤمن والكافر أو أبو جهل وأبو بكر، { الْحَمْدُ للهِ } على ظهور الحجة أو الحمد لله وحده لا يستحقه غيره فضلا عن أن يستحق غيره العبادة فإِنه مولى النعم كلها كامل القدرة، { بَلْ أكْثَرُهُمْ } أكثر اهل مكة وأكثر الكفار أو أكثر الناس.

السابقالتالي
2