الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَاتِ أَفَبِٱلْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ ٱللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ }

{ وَاللهُ جَعَلَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ } من جنسكم { أَزْوَاجاً } زوجات لتستَأنسوا بهن ويكون أولادكم مثلكم ولولا ذلك لم يكن استئناس ولا مماثلة الأَولاد والتفسير بما ذكر هو الظاهر وهو أولى من أن يقال المعنى جعل لآدم من نفسه زوجة هى حواء فكان ذلك الجعل جعلا لكم كما يقول خلقكم من تراب بخلق أبيكم آدم منه ولكنه جائز فيكون المعنى خلق لكم من أنفسكم أزواجا بخلق حواء من ضلع آدم وساير النساء من نطف الرجال والنساء { وَجَعَلَ لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ } ذكورا خصوا بالذكر لفضلهم ولا سيما عند من يقتل البنات وقيل المراد ما يشمل البنات { وَحَفَدَةً } تفسير جمع حافد وهو المسرع فى الخدمة ككامل وكميلة وفى الطاعة كقول الداعى إِليك نسعى ونحفد أى نسرع إِلى طاعتك والحفد خبب فوق المشى قال الشاعر
حفد الولايد بينهن وأسلمت بأَكفهن أزمة الأَجمال   
والمراد فى الآية أولاد الأَولاد. قال ابن عباس أولاد البنين وقد يطلق على أولاد الصلب وليس مراداً فى الآية لعطفها على البنين والعطف يقتضى المغايرة فى الجملة إِلا بتنزيل التغاير بالوصف منزلة التغاير بالذات فيكون فى معنى عطف الصفة على أُخرى لموصوف واحد كأَنه قيل وجعل لكم من أزواجكم أولادهم بنون وحفدة برفع حفدة كما مر فى سكر أو رزقا حسنا، وفى رواية عن ابن عباس أنهم أولاد امرأة الرجل الذين من زوج آخر. وقال ابن مسعود والنخعى هم أزواج البنات وإِخوانهن وأعمامهن وآباؤهم وسائر أقاربها من جهة الأَب وهم أصهار وبه عبر ابن مسعود فهو لفظ دال على البنات بدخولهن فى لفظ البنين تغليباً أو بالتقدير أى بنين وبنات وحفدة منهن وقيل الحفدة البنات وهن يخدمن فى البيوت ويسرعن فى طاعة الأَب كما أن جميع من ذكر من أولاد الأَولاد والأَصهار والأختان والربائب كذلك كما هو نكتة التعبير عنهم بالحفدة. وقال عطاءهم ولد الرجل الذين يعينونه ويخدمونه بإِرادتهم أو بامتهانه إِياهم للخدمة وقيل أولاده الذين يمتهنهم لها وعلى القولين قسم البنين قسمين أحدهما لغير الخدمة والثانى لخدمة وقال الكلبى ومقاتل البنون هم أولاده الصغار والحفدة الكبار الذين يعينونه على عمله، وقال الحسن وعكرمة والضحاك هم الخدم من البنين وغيرهم أقارب أو أجانب وقال مجاهد هم الأَعوان والأَنصار كذلك { وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ } أى من اللذائذ المتخذة من الشجر والنبات والحيوان وكان بمن التبعيضية لأَن كل ما فى الدنيا من الطيبات هو شىء قليل بالنسبة إِلى ما فى الآخرة ولأَن لكل إِنسان بعضا منها فقط وقيل الطيبات أنواع الحلال والكلام على من فى هذا القول مثله فى القول الأَول { أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ } الباطل ما يعتقدون من منفعة الأَصنام وبركتها وشفاعتها ويؤمنون يصدقون أى فيصدقون بما هو وهم باطل متخيل غير ثابت وهو منفعة الأصنام وبركتها وشفاعتها أو الباطل نفس الأَصنام أو الشيطان يصدقونه فى إِثبات الشركة والصاحبة والولد تعالى الله أو ما يوسوس لهم به من تحريم الحلال كالبحيرة والسائبة أو كل ما اعتقدوه من كل أمر باطل والاستفهام إنكار أو توبيخ { وَبِنِعْمَةِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ } بالإِشراك وبإِضافتها إِلى الأَصنام وتحريم ما حل وقدم قوله بنعمة الله على يكفرون للفاصلة وللاهتمام أو لذلك مع إِيهام الحصر مبالغة كأَنهم متفرغون بالكلية إِلى كفر النعمة ومقتصرون على الكفر بها لا يتجاوزونه.