الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِيۤ إِلَيْهِمْ فَٱسْأَلُواْ أَهْلَ ٱلذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ } * { بِٱلْبَيِّنَاتِ وَٱلزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ ٱلذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }

{ وَمَا أرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ } إِلى الأُمم { إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِى إِلَيْهِمْ } على الأَلسن الملائكة وهكذا عادته لم يرسل ملكاً للدعوة العامة، وأما قوله تعالى جاعل الملائكة رسلا فمعناه رسلا إلى الملائكة والأَنبياء وإِلى ما أراد وقيل لم يرسل ملكاً على صورة للدعوة العامة ولا الخاصة وإِنما بعثهم لدعوة الخاصة إِلى الأَنبياء على صورة الرجل، ورد بأَنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ رأى جبريل على صورته مرتين وأجيب بأَنه رآه عليها فى حال لم يرسل إليه بشىء وفيه نظروا إِليه نائب فاعل يوحى والآية دلت على أن الله سبحانه لم يرسل امرأة { فَاسْأَلُوا أهْلَ الذِّكْرِ } علماء التوراة والإِنجيل، كان كفار مكة يعتقدون أن أهل الكتاب أهل علم وكانوا يسأَلونهم ويستندون إِليهم فلذلك أمره الله أن يسائلوهم فيطمئنوا بقولهم إِذا أخبروهم أن الرسل رجال كموسى وعيسى أو أهل الذكر علماء الأَخبار بالخاء المعجمة والفاء للاستئناف والجملة بعدها دليل على جواب الشرط فى قوله { إِن كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } وهذا على طريق التبكيت والإِلزام كقولك إِن كنت عملت لك فأَعطينى أجرتى أن علق قوله { بِالبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ } بقوله لا تعلمون ويجوز تعليقه بمحذوف جواب لسؤال مقدر كأَنه قيل بم أرسلوا فقيل أرسلناهم بالبينات والزبر، ويجوز أن يتعلق بأَرسلنا المذكور والأَصل وما أرسلنا من قبلك بالبينات والزبر إِلا رجالا فأخر كقولك ما ضربت إلا زيدا بالسوط أو بمحذوف حال من رجال الوصف بيوحى إِليهم أو نعت الرجالا أو حال من هاء إِليهم أو يتعلق بيوحى أو بالذكر وبمعنى العلم وجملة فاسألوا أهل الذكر معترضة على هذه الأَوجه غير الذى بنيت عليه وغير الأَخير والبينات المعجزات الواضحة والحجج الواضحة والزبر الكتب وقيل أهل الذكر أهل القرآن وهذا لا يصح علمه أن يتعلق بالبينات بالذكر، وإِن قلت كيف يأْمرهم بسؤال أهل القرآن وهم مكذبون بالقرآن مخاصمون لأَهله قلت يصح بطريق التلويح إِلى أن تكذيبهم به باطل لا يلتفت إِليه وعناد ومكابرة ففيه شفاؤهم لو طرحوا المكابرة والجحود، فإِنهم قد علموا حقا كذا ظهر لى فى توجيه هذا القول { وَأنزَلْنَا إِلَيْكَ } إِليك يا محمد { الذِّكْرَ } القرآن سمى ذكرا لأَنه تذكير { لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ } من أمر ونهى بأَن تذكره لهم فيعلموه أو لتوضح لهم ما أشكل عليهم منه بإِجمال أو غيره فالحديث مفسر لمجمل القرآن لا ناسخ له ولا معارض كما توهم والتبيين يطلق على النص على المقصود وعلى الإِرشاد إِلى ما يدل على المقصود كالقياس ودليل العقل { وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } أى وليتفكروا أى يتأَملوا فيه فينتهوا للحقائق.