الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى ٱللَّهُ بُنْيَانَهُمْ مِّنَ ٱلْقَوَاعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ ٱلسَّقْفُ مِن فَوْقِهِمْ وَأَتَاهُمُ ٱلْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } * { ثُمَّ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ ٱلَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قَالَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ إِنَّ ٱلْخِزْيَ ٱلْيَوْمَ وَٱلْسُّوۤءَ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { ٱلَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ ٱلْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُاْ ٱلسَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن سُوۤءٍ بَلَىٰ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } * { فَٱدْخُلُوۤاْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَبِّرِينَ }

{ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ } أثبتوا حيلا وخدعا ليهلكوا بها الرسل { فَأَتَى اللهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ } أتاه أمره من جهة القواعد وهن الأَساس التى اعتمد عليها البنيان وقيل ما يعمد عليه البناء من جانب ومن للابتداء نقض الله سبحانه وتعالى قواعد بنيانهم أو زلزلها { فَخَرَّ } سقط { عَلَيْهِمُ السَّقْفُ } وقرىء السقف بضم السين والقاف جمع سقف { مِن فَوْقِهِمْ } متعلق بخر ومن للابتداء أو بمحذوف حال من السقف والإِتيان به تَأكيد لأَن قوله خر عليهم مغن عنه وقد يقال إِن السقف قد يخر على من بجانبه ولو لم يكن تحته على الحقيقة فحينئذ لا تأكيد بل يفيد أنهم كانوا تحت السقف لا بجانبه فصار خرور السقف عليهم سببا لهلاكهم { وَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ } من جهة لا يخطر ببالهم أنه يأتيهم منها بل عدوها مأْمناً وحصنا عن العذاب والذى يظهر لى أن ذلك مجاز مركب تمثيل لإِهلاكهم بالخدع التى وضعوها لإِهلاك الرسل والمؤمنين وقد أمنوا الهلاك من جهتها وأبطلها من أصلها كمن نقض قواعد حصن على قوم بنوه للنجاة فوقع عليهم فهلكوا مما أعدوه للنجاة فتشمل الآية إِبطال مكر الأُمم لرسلهم أو المؤمنين ورجع مكرهم وبالا عليهم كما قيل من حفر بئرا لأَخيه أوقعه الله فيها وكما قيل من حفر لأَخيه جباً وقع فيه منكباً. وقال ابن عباس المراد بالذين مكروا من قبلهم نمرود وقومه وبالبنيان الصرح الذى بنى وتقدم كلام فيه أوقع الله عليهم سقفه وقال مجاهد المراد ثمود { ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ } يذلهم ويهينهم بالعذاب لأَن الخزى العذاب مع الهوان ولقوله تعالى ربنا إِنك من تدخل النار فقد أخزيته فتكون الآية صريحة بأَن لهم العذاب فى الدنيا والآخرة، وقيل المراد الإِذلال والإِهانة العامان لجميع المكاره { وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِىَ } أضاف الشركاء إِلى نفسه حكاية كأَنه قيل أين الذين تزعمون أنهم شركائى أو استهزاء وعلى كل حال ففى ذلك زيادة توبيخ إِذ ذكر لهم ما يودون لو لم يقولوه ويودون لو ستر وهو موجب الخزى. قال أبو عمرو الدانى قرأ البزى بخلاف عنه أين شركاى بغير الهمزة والباقون بالهمزة { الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ } هذه النون نون الرفع كسرت للباء المحذوفة نون الوقاية أو هى نون الوقاية وحذفت نون الرفع. والأَصل تشاقوننى أى تعادوننى فإِن مشاقة المؤمنين كمشاقة الله أو تجعلون أنفسكم فى شق وأمرى فى شق آخر أى جانب، وقرأ غير نافع أى ففتح النون وتشاقون المؤمنين أو تشاقوننى فحذف المفعول بالكلية { فِيهِمْ } أى فى شأنهم والمراد ما لشركائكم لم يحضروا فيدفعوا عنكم الخزى { قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } وهم الأَنبياء والعلماء الذين يدعونهم إِلى التوحيد فيشاقونهم ويتكبرون عليهم هذا هو المتبادر وقيل الملائكة وقال يحيى بن سلام هم المؤمنون وهو محتمل للوجه الأَول ولأَن يريد المؤمنين الذين ليسوا بأَنبياء فقط، وقال عياض الصواب أن يعم الملائكة والأَنبياء وغيرهم { إِنَّ الْخِزىَ الْيَوْمَ } متعلق بالخزى أو بمعرفة محذوفة نعت أى أن الخزى الواقع اليوم أى فى هذا اليوم الحاضر وهو يوم القيامة { وَالسُّوءَ } أى كل ما يسوء من ذلة وعذاب { عَلَى الْكَافِرِينَ } أى ثابت عليهم لا على غيرهم أو دائم عليهم أو مقصور عليهم وهم المشركون والمنافقون وإِنما يقول الذين أُوتوا العلم ذلك لهم إِظهار الشماتة بهم وزيادة الإِهانة، وقد كانوا فى الدنيا يهينون المؤمنين ويعذبونهم ويستهزئون بهم فإِذا جاء يوم القيامة أكرم الله المؤمنين وأهان هؤلاء ويزيدهم قول المؤمنين ذلك إِهانة ويكون أعظم فى الهوان والخزى.

السابقالتالي
2 3