الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُواْ ٱلسُّوۤءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوۤاْ إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } * { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } * { شَاكِراً لأَنْعُمِهِ ٱجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ }

{ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ } كالافتراء على الله سبحانه والشرك وسائر المعاصى { بِجَهَالَةٍ } الباء للسببية متعلقة بعملوا أو للإِلصاق، متعلقة بمحذوف حال أى متلبسين بجهالة والجهالة الجهل وتعم الجهل بالله سبحانه وتعالى والجهل بعقابه وعدم التدبر فى العواقب لغلبة الشهوة عليهم، وتعم الجهل بحرمة الشىء وتعمده مع العلم بحرمته، فإِن الجهل كما يطلق على عدم إِدراك الشىء يطلق على تعدى الحد مع العلم، يقال جهل عليه فلان أى نال من قدره وعدا طوره عليه ومنه ما ورد فى الحديث " اللهم إِنى أعوذ بك أن أجهل أو يجهل علىَّ " وإن كثيراً ممن يفعل السوء إِنما يفعله مع علمه بتحريمه بل قيل قل ما يوجد فى العصاة من لم يتقدم له علم يحضر المعصية التى يواقع، وذكر بعض أن العاصى يعصى لجهله أو لجهل العقاب أو لجهل قدر من يعصيه ومر كلام فى ذلك { ثُمَّ تَابُوا } من الجهالة وعمل السوء { مِن بَعْدِ ذَلِكَ } أى بعد عمل السوء { وأصْلَحُوا } عملهم { إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا } أى بعد الجهالة التى تابوا منها أو بعد التوبة منها { لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ } يثيب على الإِنابة ولكون إِبراهيم هو رسول الموحدين المجادل للمشركين المبطل مذاهبهم بالحجج عقب ذكره بتزييف مذاهب المشركين من الشرك والطعن فى النبوة وتحريم ما حل فقال { إِن إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } أى جماعة عظيمة من الناس لاستكماله خصائل من العبادة ومكارم الأَخلاق لا توجد فى فرد واحد بل توجد متفرقة فى أشخاص كثيرة ونظيره من المعرف بأل قولك زيد الرجل أى الجامع ما تفرق من الخصال فى الرجال فلما اجتمع فى إِبراهيم ما يتفرق فى الجماعة العظيمة سمى باسمها وفى معنى ذلك قال أبو نواس فى مدح ابن الربيع
ليس على الله بمستنكر أن يجمع العالم فى واحد   
أى من الجائز أن يجمع الله تبارك وتعالى خصال العالم بفتح اللام فى رجل واحد. وقال مجاهد سمى أُمة لأَنه كان وحده مؤمنا وكان سائر الناس كفارا والمتميز عما سواه يسمى فى اللغة أُمة، وأيضا هو المعتبر دون من فى زمانه من المشركين، فكأَنه منفرد فى زمانه فكان أحق باسم الأُمة دون أهل زمانه إِذ لم يعتبروا، وأول من تبعه زوجته أسلمت ثم تزوجها وتسمى سارة. وفى البخارى أنه قال لسارة ليس على الأَرض اليوم مؤمن غيرى وغيرك. وقال ابن مسعود سمى أُمة لأَنه يعلم الناس الخير وأن الأُمة كل من يعلم الناس الخير الخ روى الشعبى عن قراءة ابن نوفل الأَشجعى عن ابن مسعود أنه قال إِن معاذا كان أُمة قانتا لله فقيل له غلطت إِنما هو إِبراهيم ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال الأُمة الذى يعلم الخير والقانت المطيع لله، وكان معاذ كذلك وعن عمر ـ رضى الله عنه ـ أنه قال حين قيل له ألا تستخلف لو كان أبو عبيدة حياً لاستخلفته ولو كان معاذ حيا لاستخلفته ولو كان سالم حيا لاستخلفته فإِنى سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول

السابقالتالي
2