الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَاقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلْجُوعِ وَٱلْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ }

{ وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً } لكل من أبطر النعمة الواسعة وكفر فانتقم الله منه أو لأَهل مكة، { قَرْيَةً } قال ابن عباس ومجاهد وقتادة والجمهور وهى مكة على أن المضروب لهم المثل غير أهلها ممن أبطر النعمة فأَهلك خوفهم بالسنين التى أصابت أهل مكة أو على أن المضروب لهم المثل هم أهل مكة، خوفهم بالسنين التى أصابتهم ليزدجروا فلا تصيبهم مرة أخرى، والذى يفهم من كلام حفصة رضى الله عنها أن القرية غير مكة، خوف أهل مكة أن يصيبهم مثل ما أصاب أهل تلك القرية من السنين، وذلك قيل هو قبل أن تصيبهم سنون فلما لم يزدجروا أصابتهم، وقيل بعده خوفهم أن يعود إليهم مثلها وهذه القرية التى هى غير مكة ذكرت على سبيل الفرض والتقدير لا قرية موجودة معينة ويحتمل أن تكون معينة لأَن المثل يضرب بالموجود وغيره والمعين والمبهم واختار بعضهم أنها مكة، وقال الحسن إِنها قرية للأوائل وسع الله على أهلها حتى أنهم يستنجون بالخبز أى يزيلون به النجو وهو البول أو الغائط يعنى يتمسحون به ويستجمرون به { كَانَتْ آمِنَةً } من الغارات والقتال والإِخراج، { مُطْمَئِنَّةً } ثابتة لا تحتاج للانتقال لضيق أو خوف أو طلب كلأ وإِسناد الأَمن فى الاطمئنان إِلى القرية مجاز عقلى لأَن الآمن المطمئن فى الحقيقة هو أهلها وأسند ذلك إِليها لأَنها محلهم أو ذلك مجاز بالحذف أى آمنا أهلها مطمئناً أهلها فحذف المضاف وكذا فى قوله فكفرت وكذا النسبة الإِيقاعية فى قوله { يَأْتِيها رزقها } وقوله { فأَذاقها الله } فى ذلك كله الوجهان وزعم بعض أن القرية تطلق على أهلها حقيقة أيضاً، { يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَداً } أى واسعاً { مِّن كُلِّ مَكَانٍ } من نواحيها براً وبحراً كما قال اللهيجبى إِليه ثمرات كل شىء } فى شأْن مكة والحرم بدعوة إِبراهيم وارزقهم من الثمرات، { فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ } جمع نعمة بإِلغاء التاء فى المفرد كدرع وأدرع وجمع نعم بضم فإِسكان كبؤس وأبؤس { فَأَذَاقَهَا اللهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ } فالخوف بالسنين التى دعا بها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليهم إِذا قال " اللهم اجعلها عليهم سنين كسنى يوسف عليه السلام " حتى اكلوا العظم المحرق والجيفة والكلب والوبر المعالج بالدم. يرى أحدهم الجو كالدخان من الجوع وقالوا إِن زال ذلك عنا آمنا. فزال فلم يؤمنوا وذلك قبل الهجرة وقيل إِنه بعدها وأنه أمر أيضاً بقطع الميرة عنهم فأرسل إليه رؤساء مكة عاديت الرجال فما بال النساء والصبيان فأذن للناس فى حمل الطعام إِليهم وأما الخوف فعلى أن ذلك قبل الهجرة فبغير رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو بعدها فسراياه التى تغير وتقتل بقتال بدر وقد علمت أن بعضاً يقول القرية غير مكة، وإِن قلت ما وجه لباس الجوع والخوف قلت رويت عن شيخنا الحاج إِبراهيم بن يوسف حفظه الله فى شرح السمرقندية وغيره عند قراءتى عليه قراءة تحقيق أنه شبه النحافة واصفرار اللون من جوع وخوف باللباس بجامع الاشتمال فإِن النحافة والاصفرار يشتملان على الحسد كاشتمال اللباس عليه فاستعير لهما لفظ اللباس استعارة أصلية تحقيقية تصريحية وشبه ما يدرك من الأَلم بالطعم المر بجامع الكراهة، تشبيها غير مصرح به فيكون لفظ اللباس استعارة مكية على مذهب السكاكى فقد اجتمعت المصرحة والمكنية، وأما على مذهب السلف فالمكنية هى لفظ المشبه به غير المذكور، وأما على مذهب الخطيب القزوينى فالمكنية التشبيه المضمر وإِثبات الإِذاقة للباس بطريق النسبة الإِيقاعية تخييل فقد اجتمعت المصرحة والمكنية والتخييلية، وأعلم أنى قد أطلق النسبة الإِيقاعية على نفس وقوعه الفعل على المفعول، وقد أطلقها على نفس صدور الفعل المتعدى لفظه وقوله أذاق بمنزلة الأَظفار للمنية فلا يكون ترشيحاً وكلام الكشاف مشعر بأَنه لفظ اللباس استعارة تحقيقية ويحتمل أن يكون عقلية، ويحتمل أن يكون حسية لأَنه قال شبه ما غشى الإِنسان وألبس به من بعض الحوادث باللباس لاشتماله على اللابس والحادث الذى غشيه يحتمل أن يريد له الضرر الحاصل من الجوع، فيكون عقلية وإِنما يريد به امتقاع اللون ورثاثة الهيئة، قال نظر هنا إِلى لفظ المستعار له فعبر بالإِذاقة ولو نظر إِلى لفظ المستعار لقال فكساهم لباس الجوع والخوف، وذكر القاضى وغيره أن الذوق مستعار لإِدراك أثر الضرر واللباس للجوع والخوف مشتملين على الإِنسان وذكر الإِذاقة نظراً للمستعار له كقول كثير

السابقالتالي
2