الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ ٱللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ ٱلْجِبَالُ }

{ وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ } احتال هؤلاء الظالمون احتيالهم العظيم المستفرغ فيه جهدهم لإِبطال الحق وتقرير الباطل ومكركم يا كفار قريش يستحقر دونه ويقل ولم يتأَثر مكرهم فيكف يتأَثر مكركم وزعم بعض أن الضميرين لكفار قريش ومكرهم ما قال الله جل جلاله منهم وإِذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك، الآية والصحيح الأَول { وَعِندَ اللهِ مَكْرُهُمْ } أى مكرهم الذى مكروا به ثابت مكتوب محفوظ عند الله معلوم له يجازيهم به أعظم منه فإِضافة المكر للهاء إِضافة مصدر للفاعل ويجوز أن يكون المعنى عند الله المكر الذى يمكرهم جزاء لمكرهم وإِبطالا له فإِضافته إِضافة للمفعول، والوجه الأَول أظهر لأَنه المراد فى قوله وقد مكروا مكرهم فلتكن المعرفة الثانية عين الأَول على الغالب، { وَإِن } هذه إِن الشرطية الوصلية { كَانَ مَكْرُهُمْ لِتزُولَ مِنْهُ } أى به { الْجِبَالُ } هذه لام الجر والتعليل متعلقة بخبر كان للمحذوف الذى هو كون خاص أى وإِن كان مكرهم فى العظم والشدة معدى لإِزالة ما هو عظيم راسخ كالجبال أى إِن مكرهم محفوظ عند الله للجزاء والإِبطال وإِن عظم مكرهم عظيم كما تقول إِنى مدركك وإِن مررت وإِنى غالبك ولو فعلت ما فعلت. قال ابن هشام الذى يظهر أن اللام لام الجر والتعليل وأن إِن شرطية أى وعند الله جزاء مكرهم وهو مكر أعظم منه وإِن كان مكرهم لشدته معدى لأَجل زوال الأُمور العظام المشبهة فى عظمها الجبال كما تقول فلان أشجع من فلان وإِن كان معدى للنوازل وقيل إن نافية لتأْكيد النفى وهى المشهورة بلام الجحود بناء على أنها لا تختص بالنافى الذى هو ما أو لم، وقد رده ابن هشام لأَنها لا تكون بعد غيرهما من أدوات النفى وباختلاف فاعلى كان وتزول ويجاب بأَن اختلاف الفاعل لا يفوت التأكيد المسوقة هى لأَجله وعلى هذا القول يكون الجبال مثلا لأَمر النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونحوه وهو الشرائع والنبوة إذ هى كالجبال فى القوة والرسوخ فيكون المراد تحقير مكرهم أى ما كان مكرهم مزيلا لذلك، وبهذا قال الحسن وجماعة ويدل له قراءة ابن مسعود وما كان مكرهم، وقيل إِن مخففة من الثقيلة أى وإِنه كان مكرهم لأَجل أن تزول منه الجبال أى ما هو فى العظم كالجبال وهو الآيات والشرائع وقرئ لتزول بفتح اللام الأُولى كالثانية وهو لغة من يفتح لام كى وقرأ على وعمر وإن كاد مكرهم بالدال أى قرب ونسب بعضهم هذه القراءة لابن مسعود والصحيح عنه ما مر وقرأ الكسائى لتزول بفتح اللام الاُولى وضم الثانية على أن إن مخففة واللام لام الفرق بين النفى والإِثبات فيكون المراد تعظيم مكرهم أى إنه كان مكرهم من الشدة بحيث تزول منه الجبال ولكن الله أبطله ونصر أولياءه، وبذلك قرأ ابن عباس أيضاً ويوافق هذه القراءة ما ذكره الشيخ هود عن الكلبى، أنها نزلت فى أمر نمرود الذى بنى الصرح ببابل أراد أن يعلم علم السماء فعمد إِلى تابوت فجعل فيه غلاماً ثم عمد إلى نسور أربعة فأَجاعهن ثم ربط كل نسر بقائمة من قوائم التابوت ورفع لهم لحماً فى أعلى التابوت فجعل الغلام يفتح الباب الأَعلى فينظر إلى السماء فيراها كهيئتها ثم يفتح الباب الأَسفل فيراها كاللجة فلم يزل كذلك ينظر فلا يرى الأَرض وإِنما هو الهواء وينظر فوقه فيرى السماء كهيئتها فما رأى ذلك صوب اللحم فنصبت النسور فمن بحيل فخاف الجبل أن يكون أمر من السماء فكاد الجبل يزول من مكانه وذلك قوله تعالى { وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال } وذكر بعضهم أن نمرود كان فى التابوت ومعه صاحبه فهو الذى جعل يأْمره أن ينظر أو لما هاله ذلك، أمره أن ينكس اللحم فانحدرت النسور فبعث الله أضعف خلقه باعوضة فى منخره حتى وصلت إلى دماغه فمات انتهى كلام الشيخ هود.

السابقالتالي
2 3