الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا عَلَى ٱلآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـٰئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ }

{ الَّذِينَ } نعت للكافرين أو مفعول لمحذوف أى أعنى أو أذم أو خبر لمحذوف أى هم الذين أو مبتدأ خبره أولئك فى ضلال بعيد { يَسْتَحِبُّونَ } يختارون اختياراً شديداً ولتضمين الحب معنى الاختيار هنا وصل بعلى والسين والتاء كما علمت للمبالغة وادعى بعض أنهما للطلب على أصلهما وأن من يختار شيئاً يطلب من نفسه أن يكون أحب إليها من غيره. { الحَيَٰوةَ الدُّنْيَا } أى القريبة الزوال بالموت. { عَلَى الآخِرَةِ } ومعنى اختيارها على الآخرة الإِقبال عليها فقط والكفر بالآخرة. { وَيَصُدُّونَ } يعرضون بأَنفسهم فهو من صد اللازم أو يصرفون غيرهم فهو من المتعدى، وقرأ الحسن بضم الياء وكسر الصاد على أنه من صد بهمزة التعدية الداخلة على صد اللازم أى يصدون غيرهم وليس فصيحاً لأَن صد المتعدى مغن عن ذلك. { عَنْ سَبِيلِ اللهِ } وهى دينه. { وَيَبْغُونَهَا } أى سبيل الله لأَن السبيل يؤنث ويذكر أى يبغون لها فحذف الجار وأوصل المجرور بالفعل فذلك من باب الحذف والإِيصال ولتضمن يبغون معنى يطلبون عدى إلى قوله { عِوَجاً } أى زيغا عن الحق وكأَنه قيل ويطلبون لها عوجا أو يبحثون عن عيب يعوجها ويشينها وليسوا بواجد به فيكذبون عليها ويبهتونها ليروا الناس أنها معوجة ويجوز أن يكون المعنى يطلبونها طلب عوج أو معوجين أو ذوى عوج أو بعوج بأَن يريدوا الكون عليها مع بقائهم على ماهو عوج من شرك ومعاص وفيه ضعف لقلة من يريد ذلك، وعليه فها مفعول به بلا تقدير جار، وعوجا مفعول مطلق أو حال أو منصوب على نزع الخافض ويجوز رجوع ها إلى مطلق السبيل على طريق الاستخدام فيكون ها مفعولا بلا تقدير أى يطلبون الطريق باعوجاج وهو الشرك والمعاصى أو ذوى عوج أو معوجين أو طلب عوج أو معوجة أو ذات عوج ويجوز رجوع ها إِلى الدنيا أى يطلبون الدنيا على طريق الميل عن الحق والإِعراب كالذى قيل. { أُولَئِكَ فِى ضَلاَلٍ } ذهاب عن الحق. { بَعيدٍ } عنه أسند البعد إِلى الضلال مع أنه فعل للضلال مبالغة كقولك جد جدهُ برفع جده تريد أنه مبالغ فى الاجتهاد حتى كان اجتهاده مجتهد، وقولك صام صومه بالرفع تريد مبالغته فى الصوم حتى كان صومه صايم ويجوز أن يكون بعيد فعيلا للنسب أى ظلال ذى بعد أو فيه بعد والنسبة تصح لأَدنى ملابسة، والذهاب عن الطريق قد يكون بمسافة بعيدة كما هنا وبمسافة قريبة فهذا وجه غير الأَول، وإِن شئت فقل البعد لما به الضلال فوصف به الضلال للملابسة.