الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَدْ مَكَرَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ ٱلْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ ٱلْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى ٱلدَّارِ }

{ وقَدْ مَكر الَّذين مِنْ قَبْلهم } قبل مشركى مكة من الأمم الماضية، أوصلوا المكروه بأنبيائهم والمؤمنين، كما فعل نمرود بإبراهيم، وفرعون بموسى، واليهود بعيسى { فللَّهِ المكْرُ جَميعاً } على الحقيقة ليس منه شئ بيد غيره، فليس مكر غيره بضار إلا بإرادته، واإن لم يرد فليس بضار، كما لم يضر إبراهيم وموسى وعيسى مكر نمرود وفرعون واليهود، فليس مكر غيره مما يكترث به العقلاء، فكل مكر تأثر بيد مخلوق فبإذن الله تعالى، فلتأثره بإذنه وخلقه إياه نسب إليه، أو مكر الله جزاؤه، سمى للمناسبة فيكون ذلك تسمية للعقوبة باسم الذنب، فإن المكر ذنب، وتضمنت الآية تهديد الكفار بمكر الله، وأن مكرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ضائع لا يؤثر فيه، وراجع وباله عليهم، وإن مكرهم كلا مكر بالإضافة إلى مكره، وفسر مكر الله عز وجل بقوله { يعْلَم ما تَكسِبُ كلُّ نفْسٍ } فيعد جزاءها، فإنه لا مكر أعظم من مكر من يعلم ما تكسب كل نفس، ويعد لها جزاءها فيجازيها وقت غفلتها فى الدنيا، ويجازيها أيضا فى الآخرة، والحال أنها لا تعلم اليوم بعذاب الآخرة، لعدم إيمانها، بل تعلم بعدمه كما قال { وسَيَعْلم الكفَّار } جنس الكفار، كما تدل عليه قراءة الكوفيين وابن عامر وسيعلم الكفار، وقراءة بعضهم وسيعلم الكفارون، وبعضهم وسيعلم الذين كفروا. وقيل المراد فى قراءة الأفراد، وقراءة الجمع الخمسة المستهزئون، وعن ابن عباس الكافر أبو جهل، ومعلوم أن غيره مثله، وقرأ بعضهم وسيعلم الكفر بإسكان الفاء مبالغة، أو بتقدير مضاف، أى ذو الكفر، أو ذوو الكفر، أو بالتأويل بالوصف، أى كافرا، والكفار، وقرأ جناح بن جيش وسيعلم الكافر بضم الياء وفتح اللام من أعلمه إذا أخبره بشئ وصيره عالما { لمنْ عُقْبى الدَّار } ألهم أم للنبى صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والتعريف فى عقبى الدار بإضافة عقبى إلى المعرف بأل التعريف عهد، فالمراد الجنة كما هى المراد فى فنعم عقبى الدار.