الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ ٱلْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ ٱلأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ ٱلْمَوْتَىٰ بَل للَّهِ ٱلأَمْرُ جَمِيعاً أَفَلَمْ يَيْأَسِ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن لَّوْ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَهَدَى ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَلاَ يَزَالُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّىٰ يَأْتِيَ وَعْدُ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُخْلِفُ ٱلْمِيعَادَ }

{ ولَو أنَّ قُرآناً } أى ولو ثبت فى وقت ما من الأوقات، أو حال من الأحوال، أن قرآنا أى قرأت أو مقروءاً { سُيِّرت به الجبالُ } عن مواضعها، والتشديد للتعدية { أو قُطِّعتْ به الأرضُ } شققت وفجرت أنهارا كما طلبتم، أو قطعت بالسير كما طلبتم، والتشديد للمبالغة. { أوْ كلِّم بهِ الموْتَى } فسمعت وأجابت، وجواب لو محذوف، أى لكان ذلك هو هذا القرآن الذى يتلوه عليكم محمد، لأنه الغاية فى الإعجاز، والتذكير والإنذار، فالمراد تعظيم شأن القرآن، ويجوز تقديره هكذا لما آمنوا به كقوله تعالىولو أننا نزلنا إليهم الملائكة } الآية، فيكون المراد المبالغة فى عناد الكفرة، وتصميمهم على الكفر. وقيل إن الآية لم تنزل بسبب ذلك، وعليه فتقطيع الأرض تصييرها متصدعة من خشية الله جل جلاله. وقال الفراء جواب لو محذوف، دليلةوهم يكفرون بالرحمن } فكأنه قيل وهم يكفرون بالرحمن، ولو أن قرآنا سيرت به الجبال، الخ فتقديره لكفروا بالرحمن، واعترض بين لو ودليل جوابها، ولا بأس بهذا القول، وروى مثل قول ابن عباس عن الحسن، إلا أنه لم يذكر السفر وإحياء الموتى، ولم يقل كلمة كما قال سيرت وقطعت، لاشتمال الموتى على المذكر الحقيقى، فاختير جانب التذكير، ولو كان التأنيث جائزا بتأويله الجماعة. { بَلْ } إضراب عن النفى، فإن لو للامتناع، والامتناع نفى { للّهِ الأمر جَميعاً } أى القدرة على كل شئ، فلو شاء لأتى بما اقترحوا من الآيات، لكنه لم يفعل لأنه قد علم أنه لو فعل لما آمنوا، ولأنه لم ير مصلحة فى فعله، ويدل لذلك ذكر الإياس بعد، أو الأمر كله من الإيمان وكفر وغيرهما مخصوص به، فلا يؤمن إلا من شاء إيمانه، ولو أوتوا ما اقترحوا، والأمر كله الله، فلو شاء لجبرهم على الإيمان، لكنه بنى أمر التكليف على الاختيار، وكل من ذلك مناسب لقوله { أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا } بأن تفسير المشيئة على الأخير بمشيئة الإلجاء والجبر، جميعا حال من ضمير الاستقرار المستكن فى قوله { الله }. { أفلَم يَيْئس } ألم يقنط { الَّذينَ آمنُوا } من إيمان تلك الكفرة مع ما رأوا من أحوالهم المصممة على الكفر { أنْ لَوْ يَشَاء الله لهدَى النَّاس جَميعا } باختبارهم أو بالجبر تعالى عنه، أو لهداهم بلا آية، وأن مخففة اسمها ضمير الشأن محذوفا، ويقدر من خبرها مفعول لمحذوف، أى أفلم يقنط الذين آمنوا من إيمان هؤلاء، علما أن لو يشاء الخ، أو عالمين أن لو يشاء الخ. قال الكسائى لما طالب المشركون رسول الله صلى الله عليه وسلم بالآيات، اختار المسلمون أن يأتيهم بها ليجتمعوا على الإيمان، فنزل { أفلم يايئس الذين آمنوا } الخ و { أن لو يشاء الله } مفعول لمحذوف أى ويعلموا أن لو يشاء، فحذف العاطف والمعطوف وبقى مفعول المعطوف انتهى.

السابقالتالي
2