الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰبَنِيَّ ٱذْهَبُواْ فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْقَوْمُ ٱلْكَافِرُونَ }

قالَ يعقوب { يا بنىَّ } الأصل يا بنين حذفت النون للإضافة لياء المتكلم، وأدغمت فيها ياء الإعراب { اذْهبُوا فتحسَّسوا مِنْ يُوسفَ وأخِيهِ } بنيامين اطلبوا الخبر عنهما بالحساسة، فمن بمعنى عن ويجوز كونها للابتداء، فإن الخبر المسموع فى حقها آت من شأنهما، وقرئ بالجيم وهو أيضا طلب الخير، وإنما قرأ به من يقول إنه بالجيم وبالحاء سواء، وقيل إنه بالجيم فى الشر وبالحاء المهملة فى الخير { ولا تيأسُوا مِنْ رُوحِ الله } لا تقنطوا من فرج الله سبحانه وتنفيسه، وقرأ الحسن، وقتادة من روح الله بضم الراء، أى من رحمته التى تكون حياة للعباد { إنَّه لا ييْئسُ من رُوحِ اللّهِ إلاَّ القومُ الكافِرُونَ } بالتكذيب لله جل وعلا، أو بجهله بالصفات، فإن العارف لا يقنط من رحمته فى شئ من الأحوال، وفى الآية عندى دليل على أن الإياس من رحمة الله فى الدنيا كبيرة، كما أن الإياس من رحمة الآخرة كبيرة، فإن الآية فى رحمة الدنيا وفَرَجها، والمشهور فى كتب الفقه، وعلى الألسنة أن الإياس من رحمة الآخرة كبيرة، ومن رحمة الدنيا ليس كبيرة. وذكره الشيخ عمرو التلاتى فى شرح النونية وقد تابعتهم عليه فى بعض كتبى الفقهية قبل أن تظهر لى هذه الحجة، ويبعد أن يكون قوله { ولا تيأسوا } إلى آخره كلاما مستقلا فى رحمة الآخرة. روى أن يعقوب أمر شمعون على أنه إن رجع مع إخوته أن يكتب إلى ملك مصر، بسم الله الرحمن الرحيم، من يعقوب الحزين إلى عزيز مصر، ولو عرفت اسمك لذكرتك به، يا من اعتز بعزه، فإن الله يعز من يشاء، ويذل من يشاء، إنى أيها العزيز رجل قد اشمأز قلبى، وقطع الحزن أوصالى، وإنى ناه عن الأفراح، دان إلى التراح، دائم البكاء والصياح، وأنا من نطف آباء كرام كيف يتوله منى اللصوص،وأنا من الخصوص، وقد أخبرت أنك وضعت الصاع فى الليل فى رحل ولدى الأصغر، ذلك الهلال الأقمر، واعلم أن حزنى على يوسف الفقيد دائم مسرمد، وإن أفجعتنى فى الآخر فإن قلبى لا محالة طائر. وكتب إليه يوسف اصبر كما صبروا تظفر كما ظفروا. وفى عرائس القرآن إن يعقوب كتب إلى يوسف من يعقوب إسرائيل الله، ابن إسحاق ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله، إلى عزيز مصر الطاهر العدل، الموفى الكيل. أما بعد فإنا أهل بيت موكل بنا البلاء، فأما جدى فابتلاه الله بنمرود فشدت يداه ورجلاه ورمى فى النار، وأما أبى إسحاق فشدت يداه ورجلاه، ووضع السكين على قفاه للذبح، وأما أنا فكان لى ابن أحب أولادى إلىَّ، فذهب به إخوته إلى البرية، ثم أتونى بقميصة ملطخ بالدم، وقالوا قد أكله الذئب، فذهبت عيناى، ثم كان لى ابن وكان أخاه من أمه، وكنت أتسلى به، ثم ذهبوا فرجعوا فقالوا إنه سرق، وإنك حبسته، وإنا أهل بيت لا نسرق، فإن رددته إلىَّ وإلا دعوت عليك بدعوة تدرك السابع من ولدك، وختم الكتاب ودفعه إليهم، ووجههم به إلى مصر مع بضاعه مزجاة كما ذكر الله سبحانه وتعالى فى قوله { فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ... }