الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ تَاللهِ تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّىٰ تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ ٱلْهَالِكِينَ } * { قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى ٱللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

{ قالُوا } أى بنو يعقوب { تالله تَفْتؤُا } أى لا تفتأ أى لا تزال، فحذفت لا النافية فظهور إرادتها، بدليل تجرد تفتأ من لام جواب القسم، ونون التوكيد، ولأن كونه حرضا أو من الهالكين إنما يصح غاية، لكونه لم يزل يذكر يوسف، لا لكونه تاركا لذكره، ولو كان جوابا بلا تقدير لا النافية لقرن باللام والنون. قال ابن هشام يطرد حذف لا النافية وغيرها فى جواب القسم، إذ كان المنفى مضارعا نحو تالله تذكر يوسف، فيجوز تقدير ما النافية فى الآية، هذا مذهب ابن معطى وقيل لا يجوز حذف ما لأن التصرف فى حذف لا أكثر من التصرف فى ما. { تذْكُر يُوسفَ حتَّى تكُون حَرصاً } مريضا مشرفا على الموت، قال مجاهد الحرَض ما دون الموت، وقال ابن إسحاق حتى تكون فاسد الأعضاء والعقل، والحرص فسادهما لحب أو حزن أو مرض. قال الشاعر
إنى امرؤ لج بى حب فأحرضنى حتى بليت وحتى شفنى السقم   
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مؤمن يمرض حتى يحرضه المرض إلا غفر له " قال بعضهم الحرض الذى أذابه هم أو مرض، وهو مصدر يطلق على الذات الواحدة فصاعدا بلفظة واحدة للذكر والأنثى كما يطلق بالمعنى المصدرى وقد قرئ حتى تكون حرِضا بكسر الراء على أنه وصف، وقرئ حتى تكون حُرُضا بضمتين على أنه وصف أيضا كجنب بضم الحاء والراء، والجيم والنون وهذه قراءة الحسن { أو تَكُون منَ الهالِكينَ } من الموتى وإنم اقطعوا بذلك حتى كانوا - بناء منهم - على الأغلب الظاهر من حال يعقوب { قال } ردا عليهم فى ما اتهموه به إذ عنفوه وخطئوه فى رجاء يوسف { إنَّما أشكُوا بثِّى } البث الهم الصعب الذى لا يصبر صاحبه عليه، فليبثه للناس أى ينشره لهم بعد ما انطوت عليه النفس، قال ابن قتيبة البث أشد الحزن، أى إنما أشكوا حزنى العظيم { وحُزْنى } القليل وقرئ الحزن بفتح الحاء والزى وقرئ بضمهما. { إلى الله } لا إليكم ولا إلى غيركم، والظاهر أن هذا الكلام جواب لقولهم، ومتصل به لا مستأنف جواب لسؤال جاره، أو سؤال أخيه فى الله المذكور، كما قيل بكل منها بعضهم، ولا كلام مترتب على قوله عز وجل له وعزتى وجلالى لا أكشف ما بك حتى تدعونى، فقال ذلك، وقال أى رب أما ترحم الشيخ الكبير القائل اللهم اردد أولادى إلىَّ، ويدل على ما قلت قوله سبحانه وتعالى حكاية عنه { واعْلَم منَ الله ما لا تَعْلَمُون } من الرحمة والإحسان، فيأتى بالفرج من حيث لا أحتسب فلا آيس ولو آيستمونى، وقد مر أنه الملك أخبره بحياة يوسف فى اليقظة أو فى المنام، وطمع أيضا فى حياته من رؤيا يوسف السابقة، أنهم يسجدون له، وكان إذا سمع بسيرة ملك مصر طمع أنه يوسف، أو أن يوسف معه.

السابقالتالي
2