الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَتَوَلَّىٰ عَنْهُمْ وَقَالَ يَٰأَسَفَىٰ عَلَى يُوسُفَ وَٱبْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ ٱلْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ }

{ وتَولَّى عَنهم } أعرض لكراهة ما جاءوا به { وقالَ يا أسفى } نداء تفجع، والأصل يا أسفى أحضر، فهذا أوانك والأسف أشد الحزن والحسرة والألف بدل من ياء المتكلم، وكان ذلك النداء لظهور أن المراد التوجع والتفجع لا حقيقة طلب الإقبال، وليس مراده بذلك النداء الجزع، بل التوجع إلى الله والشكوى إليه، وهو فى المعنى بمنزلة قولك يا إلهى ارحم أسفى. { عَلى يُوسفَ } متعلق بإلا يوسف وبينهما تجانس، وهو بديع مستملح نحو قوله تعالىاثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا } والشاهد { فى الأرض } و { أرضيتم }وهم ينهون عنه وينأون عنه } ويحسبون أنهم يحسنون صنعا } ومن سبأ بنبأ } وإما تأسف على يوسف فقط، مع أن المفقود آخر من يكون وجعه عليه طريا، لأن إصابته بفقد يوسف كانت قاعدة للمصيبات، وعليها تترتب، وكانت غصة طرية مع تطاول الأزمان، ولم يقع فائت عند موقعه، ولأنه كان واثقا بحياة من بقى بمصر منهم دون يوسف، خلافا لرواية أنه علم بحياته من الوحى، وعنه صلى الله عليه وسلم " لم تعط أمة من الأمم إنا لله وإنا إليه راجعون عند المصيبة إلا أمة محمد ألا ترى إلى يعقوب حين أصابه ما أصابه لم يسترجع وإنما قال يا أسفى " وهذا يرد قول بعض أنه لا يبعد أن يجتمع الاسترجاع ويا أسفى لهذه الأمة وليعقوب عليه السلام. { وابيضَّتْ عَيناهُ من الحُزْن } وقرئ بفتح الحاء والزاى، أى للحزن أى لكثرة بكائه من الحزن حتى محقت الدمعة سواد العين، وقلبته إلى بياض، وكان لا يبصر شيئا قال قتادة لم يبصر شيئا ست سنين، وقيل كان يدرك إدراكا ضعيفا، وقد علمت أن من للتعليل، لأن الحزن إذا كان علة لكثرة البكاء، وكثرة البكاء علة للابيضاض، فهوعلة للابيضاض إذا كان علة لعلته، ويجوز أن تكون للابتداء إذ حدث ابيضاضهما من الحزن. قال فى عرائس القرآن قال الحسن ما جفت عينا يعقوب من وقت فراق يوسف إلى حين لقائه ثمانين عاما، وما على وجه الأرض أكرم منه على الله سبحانه، وعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " أنه سأل جبريل ما بلغ وَجْد يعقوب على يوسف، قال وجْدُ سبعين ثكلى، قال فما كان له من الأجر؟ قال أجر مائة شهيد، وما ساء ظنه بالله تعالى ساعة قط ". وهكذا قال جبريل ليوسف حين دخل عليه السجن، فقال هل تعرفنى أيها الصدِّيق المخلص؟ قال أرى صورة حسنة، قال انا جبريل، قال فما أدخلك مدخل المذنبين؟ قال إن الأرض التى يحلها نبى أطهر أرض، وقد طهر الله بك السجن وما حوله. قال كيف لى باسم الصدِّيق المخلص، وقد أدخلت مدخل المذنبين؟ قال لأنه لم يفتن قلبك بسيدتك، ولم تطعها فى معصية ربك بعد السؤال عن حال أبيه وأجره قال أفترانى لاقيه؟ قال نعم، فطابت نفسه، قال ما أبالى ما لقيت.

السابقالتالي
2