الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ ولمَّا دخلُوا مِنْ حيثْ أمرهُم أبوهُم } أى من الأبواب المتفرقة { مَا كانَ } أى يعقوب { يُغنى عنْهم منَ اللّهِ من شىْءٍ } أى ما أغنى عنهم ربه فى دخولهم متفرقين إزاحة للضر عنهم بالعين بل أصابهم الضر من حيث لم يدروا ذلك أنهم نسبوا إلى السرقة، وأخذ بنيامين وذلك أن الصاع وجد فى رحله وتضاعفت المصيبة على أبيهم فوقع الأمر على طبق قولهوما أغنى عنكم من الله من شىء } { إلا حاجةً فى نفْس يعقُوب قَضَاها } يعقوب أى أظهر ما لهم ووصلهم بها، وهى أن يدخلوا من أبواب متفرقة شفقة عليهم والاستثناء منقطع، ويجوز عود ضمير قضى إلى الله سبحانه، أى لكن حاجة قضاها الله له هى تسهيل دخولهم من أبواب متفرقة تطيبا لنفسه ونظيره أنه صلى الله عليه وسلم سد كوة فى قبر بحجر وقال " إن هذا لا يغنى شيئا ولكن لتطييب نفس الحى " وقيل أراد بالحاجة الغصة من فراق يوسف قضاها الله، ثم جاءت غصة أخرى من فراق بنيامين، فحملته الغصتان على الأمر بالتفريق. { وإنَّه لذو علمٍ لما عَلَّمناه } بالوحى والإلهام، ونصب الدلائل، ولذلك علم أن القدر لا يدفعه الحذر، فقال وما أغنى عنكم من الله من شئ، واللام للتقوية دخلت على مفعول المصدر المنون وهو ما، ويجوز كون اللام تعليلية، وما مصدرية، أى لأجل تلعمنا إياه، ويجوز أن يكون معنى علم عملا، واللام بوجهها مع ما أو بمعنى الباء، أى لذو عمل للذى علمناه إياه، أو لأجل الذى علمناه أو لأجل تعليمنا إياه يقال عمل علما أى أنفذه وأتبعه، ويقال عمل به، وكما صح إطلاق الجهل على عمل السوء، صح إطلاق العلم على العمل بالخير، قال سفيان من لا يعمل لا يكون عالما ولكن ذلك بعيد حتى قال عياض، هذا لا يعطيه اللفظ، ولو كان صحيحا فى نفسه. { ولكنَّ أكْثر النَّاسِ } الموحدين والمشركين { لا يعْلَمونَ } ما علم يعقوب إذ لم يسلكوا طريقه، ولا يعلمون شر القدر، وأنه لا يغنى عنه الحذر حقيقة العلم، أو أكثر الناس هم المشركون لا يعلمون ما ألهم الله أولياءه، وهو المروى عن ابن عباس رضى الله عنهما. روى أنهم لما بلغوا مصر تفرقوا، ودخل كل أخوين من باب واحد، وبقى بنيامين وحده عند باب الشام، ولم يدر أين يذهب، ولم يعرف أحد لسانه، فنزل ملك من السماء على يوسف عليه السلام وقال له قم يا يوسف والبس ثياب الغرباء، واركب ناقتك لكيلا يعرفك أحد، واقصد باب الشام، فإن أخاك ابن أبيك وأمك واقف على ناقته يسأل من يمر به، ولا يعرفون كلامه. فركب ناقته وعليه برقع، وتنكر بحيث لا يعرفه أحد، وقصد باب الشام، فوجد بنيامين فلما رآه يوسف ذرفت عيناه بالدموع، فسلم يوسف عليه وقال له بالعبرانية من أين؟ وإلى أين؟ وماذا تريد؟ قال جئت من الشام أطلب الميرة.

السابقالتالي
2 3