الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَ إِخْوَةُ يُوسُفَ فَدَخَلُواْ عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ }

{ وجاء إخْوةُ يُوسفَ فدَخلُوا عليْهِ } إلا واحدا فإنه أمسكه أبوه وهو بنيامين، ويدل على هذا الاستثناء قولهائتونى بأخ لكم من أبيكم } { فَعَرفهمْ } قيل عرفهم أولا أنه لم يميز بين يهودا وشمعون، ونزل الملك فميز له بينهما، فعرف كلا على حدة { وهُم لهُ منْكرونَ } قال ابن عباس، ومجاهد عرفهم يوسف بأول نظرة، قال الحسن لم يعرفهم حتى تعرفوا إليه. قال ابن عباس بين أن قذفوه فى الجب وبين أن دخلوا عليه أربعون سنة، ولذلك أنكروه، وذكر بعضهم أن المعصية تورث النكرة وتلا هذه الآية، وما يوجب النكرة أنهم فارقوه صغيرا، وأنهم اعتقدوا أنه مات، وأنه ذهب عن أوهامهم لقلة فكرهم فيه، واهتمامهم به، ولبعد حاله التى هو فيها من السلطان والملك، عن حاله حين ألقوه فى الجب، وحين باعوه بدراهم معدودة، حتى لو تخيل لهم أنه هو لكذبوا أنفسهم، ولأن الملك يبدل الزى ويلبس صاحبه من التهيب والاستعظام ما ينكر له المعروف. وقال عطاء لم يعرفوه لأنه كان على سرير الملك، وعلى رأسه تاج الملك، وقيل لأنهم رأوه على زى ملوك مصر، عليه ثياب الحرير، جالسا على سرير، فى عنقه طوق من ذهب، وفى رأسه تاج، ولأنه يتكلم بالقبطية، وقيل لأنهم وقفوا من بعيد حيث يقف طلاب الحوائج، وعلى كل حال، فإن الله جل وعلا لم يخلق فيهم معرفة تحقيقا لما أخبره أنه سينبئهم بأمرهم وهم لا يشعرون، وإنما عرفهم لأنه فارقهم وهم رجال، ورأى زيهم قريبا من زيهم إذ ذاك، لاهتمامه بهم، فكان يتأمل ويتفطن. وروى أنه أدخلهم فى ثانى يوم، وروى أنه قال لصاحب المائدة لا تنزل هؤلاء فى دار الغرباء، ولكن أدخلهم فى دارى، وانصب لهم المائدة كما تنصبها بين يدى، واحفظهم وأكرمهم، فقال من هم يا مولاى، فقد أتاك أقوام ومعهم الأموال والذخائر وما أنزلتهم إلا فى دار الغرباء؟ فقال لا تكثر قولك، افعل بهم ما أمرتك، فنزل الخادم من القصر، وأمرهم بدخول الدار، وبسط لهم الفرش والمساند، ويوسف ينظر إليهم من الكوة ويأمر الخادم بلسان القبط ويقول ابسط لهم كذا وكذا، وافعل بهم كذا وكذا، ولا يدرون ما يقول. ولما رأوا ملكه حين دخلوا إليه أول مرة، نكسوا رءوسهم، وكان كل ينتظر ما يؤمر به، ويحكم فيه، فجعل ينظر إليهم ويتذملهم، ويطيل النظر إليهم، ولا يدرون، ثم يتشاغل عنهم بغيرهم، وينظر إلى جهة أخرى، ويكلم وزراءه بما يريد، وأمر باعتزالهم إلى حيث أمر الخادم أن ينزلهم ولم يكلمهم، ولما جن الليل، وضع بين أيديهم الموائد والشموع والمجامير، فنظروا إلى دار الغرباء من كوة، والخدم يرفعون لكل فقير قرصة شعير للغلاء.

السابقالتالي
2 3