الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلأَجْرُ ٱلآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ }

{ ولأجْر الآخرةِ خَيرٌ } من أجر الدنيا لعظمه ودوامه، وفى الآية إشارة إلى أن ليوسف فى الآخرة ما يستحقر دونه ملكه فى الدنيا { للَّذينَ آمنُوا وكانُوا يتَّقونَ } الشرك والمعصية، عم القحط سائر البلاد فى السبعة العجاف حتى الشام ونواحيه، وقصد الناس مصر من كل مكان لشراء الطعام، وكان يوسف لا يبيع لأحد شريف أو وضيع أكثر من حمل بعير تقسيطا بين الناس، ووصل يعقوب وأهله ما وصل الناس من القحط وهو بأرض كنعان من الشام، وكانت زليخا تحب أهل الشام حبا شديدا، وإذا أتى أحد منهم تأمر بإكرامه، وكانت مغرمة بيعقوب وأولاده، وكان أهل الشام إذا رجعوا من مصر نزلوا تحت بيت الأحزان، ويذكرون محاسن سلطان مصر معهم، وكيف أضافهم وأعطاهم، وكيف يحبهم وما سيرته ويعقوب يسمع ويقول والله هذه علامة العارفين، ولم يعلم أن بمصر أو غيرها نبيا سواه، وكان يقول ليت لى قوة أمضى إليه على أجد عنده، يوسف. وكان تحت نفقته ستون رجلا وامرأة وشكوا إليه وسألوه أن يدعو الله لهم حتى يفرج عنهم، ودخل عليه أولاده يوما باكين، قالوا يا آبانا منذ أربعين سنة ما كلمتنا ولا التفت إلينا، ولا دعوت لنا، ولا تبسمت فى وجها، فهب أنا قد عصيناك وقد آتيناك مضطرين مفترين مستغيثين. قد أصابنا ما أصاب الناس من الجوع، فادع لنا ربك أن يرزقنا وأن يتفضل علينا، فقال لهم يعقوب عليه السلام، أدلكم على من عنده النعم والكرم، ومن تقصده العرب والعجم، ويثنون عليه بأحسن الشيم؟ وجهه صبيح، وكلامه فصيح، ودينه صحيح، قريب من الناس، ذو حشمة وباس، له العز والجلال، والخزائن والأموال، أخلاقه سنية، وأصافه بهية، أكرم الملوك وأسخاهم،، وأنصحهم لعباد الله وأحسنهم خلقا، وعنده طعام كثير، وقد استخرت الله أن أوجهكم إليه. فقالوا من أين عرفت ذلك؟ قال من النازلين تحت بيتى إذا رجعوا قصدوه فإنه كريم، وسلموا عليه أفضل التسليم. قالوا يا أبانا نحن حفاة عراة حقراء فقراء، ما عندنا شئ يصلح لحضرة الملك، فإن الناس يحملون إليه الجواهر واليواقيت، والذهب والفضة، والزمرد الأخضر. قال يعقوب سمعت أنه كريم رحيم، والكريم يقبل اليسير، ويهب الكثير، قالوا يا أبانا نحن ما حضرنا أبدا فى حضرة الملك، كيف نفعل إذا وصلنا إليه؟ قال إذا أذن لكم بالدخول فلا تتكلموا بين يديه إلا بإذنه، ولا تلتفتوا يمينا ولا شمالا، فمن سوء الأدب الالتفات فى حضرت الملك إلى غيره، فاحفظوا أدبكم، فالبحر لا جار له، والملك لا صديق له، والعافية لا قيمة لها، ومن صحب الملوك بغير علم أسلمه الجهل إلى القتل. يا بنى إذا حضرتم بين يديه فاثنوا عليه، وإذا أمركم بالجلوس فقفوا إلى أن يأمركم، فإذا جلستم فلا تسبقوه بالكلام حتى يسألكم، ولا تطيلوا عنده الجلوس لئلا يمقتكم، وإن أذن لكم بالانصراف فلا تعطوه ظهوركم، وإذا خرجتم من عند فلا تذكروا لأحد ما جرى بينكم وبينه، وإن أفشى لكم سرا فلا تفشوه لغيركم، فإن إفشاء سر الملوك صعب فأعدوا أهبة حسنة، وأظهروا زيا بديعا.

السابقالتالي
2 3