الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَكَذٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي ٱلأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَآءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَشَآءُ وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

{ وكَذلكَ مَكَّنَّا ليُوسفَ } قال أبو البقاء اللام زائدة فى المفعول به أو أصل، والمفعول محذوف أى مكنا الأمور ليوسف { فى الأرْضِ } أرض مصر، وكانت أربعين فرسخا فى كل جهة { يتَبَّؤأ } يتخذ لنفسه { مِنْها } نعتا لمفعول محذوف، أى يتخذ منزلا ثابتا منها، أو يتلو بمعنى ينزل، ومنها نعت لظرف محذوف أى منزلا منها أو من بمعنى فى. { حَيثُ يَشاءُ } متعلق { يتبوّأ } أو نعت ثان للمحذوف، أو حال منه، أو من ضميره المستتر فى الجار والمجرور، وقرأ ابن كثير نشاء بالنون، وذلك التبؤُّؤ تفسير للتمكين. قال فى عرائس القرآن روى سفيان عن عبد الملك بن المنذر، أن الملك قال ليوسف إنى أريد أن تخالطنى فى كل شئ، غير أنى أحب أن لا تأكل معنى، قال يوسف أنا أحق لأن أقف عن ذلك، لأنى ابن يعقوب إسرائيل الله، ابن إسحاق ذبيح الله، ابن إبراهيم خليل الله، فصار بعد ذلك يأكل معه. قال ابن عباس فلما مضى ليوسف سنة من يوم سؤاله الإمارة دعاه الملك فتوَّجه رداءَهُ وقلده بسيفه، وأمر له بسرير من ذهب مكلل بالدر والياقوت، وضرب له عليه حلة من الإستبرق، وطول السرير ثلاثون ذراعا، وعرضه عشرة أذرع، وعليه ثلاثون فراشا، وستون نمرقة، ثم أمره أن يخرج متوجا، ولونه كالثلج، ووجه كالقمر الناظر، ووجهه يتلألأ نورا. فانطلق حتى جلس على السرير، ودانت له الملوك، ولزم الملك، بيته، وفوض إليه أمر مصر، وعزل قطفير عما كان عليه، وجعل يوسف مكانه، ثم مات قطفير فى تلك الليالى، فزوج الملك يوسف امرأته زليخا، ويقال لها راعيل على ما مر، ولما دخل عليها قال أليس هذا خيرا مما كنت تريدين؟ قالت أيها الملك الصديق لا تلمنى فإنى امرأة مشركة حسناء ناعمة، فى مُلْك ودنيا، وكان صاحبى لا يأتى النساء، وكنت كما جعلك فى صورتك، وهيئتك، وغلبتى نفسى وعصمك الله، وافتضها يوسف إذ وجدها عذراء، وولدت له ذكرين أفرايتم وميشا، واستوثق ليوسف أرض مصر، وأقام العدل، وأحبه الرجال والنساء ا هـ. وتيقنوا أن لا ملك مثله، وقيل إن قطفير مات قبل خروج يوسف من السجن، وزوجه الملك امرأته بعد خروجه، وقيل إنه تزوجها بعد أن كبرت وافتقرت على ما يأتى إن شاء الله، وأسلم على يده الملك وكثير من الناس. وروى أنه لما قالاجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم } قال صدقت إنى لا أعلم أحداً أولى بذلك منك، فخذ هذا الخاتم والتاج والسرير، فيهن يقوم ملكى، ويشتد أمرى، فلعمرى أن الذى أعطاك إلهك، وشرفك به ليسير فى حقك، وقليل فى خطرك، فأنت الذى تحمل أهل مصر. فقال يوسف أما الخاتم فأشد به أمرك، وأما السرير فأظهر به سلطانك، وأما التاج فليس من لباسى ولا من لباس آبائى، وفى رواية أما السرير فأشد به ملكك، وأما الخاتم فأدبر به أمرك، ولما لم يقبل يوسف عنه التاج قال إن لم تلبسه فأنا أضعه عن رأسى حتى يعلم الناس أنى قد وضعته إجلالا لك، وأنى فضلتك على نفسى، وآثرتك بسلطانى، ثم قال رضينا بك، وسمعنا كلامك، وأقررنا بعلمك وشرفك، فالحكم حكمك، والقول قولك والأمر أمرك، وأنت المقدم، ونحن تبع لك سامعون مطيعون، وقد وليتك مملكتى أربع عشرة سنة، قدر أيام السعة والضيق، وإذا مضت هذه المدة رددت علىَّ مملكتى، وتكون أعز أهل مملكتى، لا أمَنعك شيئا تريده، ولا حكما تنفذه، ودخل على ذلك الشرط.

السابقالتالي
2 3 4 5 6