الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ ٱلزَّاهِدِينَ }

{ وَشَروهُ } أى فشرته السيارة، وإنما أسند الشراء إليهم لأن مالك بن ذعر فيهم ومنهم وقد اشتراه، وشروه بمعنى اشتروه، وقيل الضمير لإخوة يوسف، والشراء بمعنى البيع أى فباعوه. وروى أن إخوة يوسف كانوا ينظرون فى الجب فنظروا يوما على عادتهم فلم يروه فأحاطوا بالسيارة وقالوا هرب عبدنا فأخبرنا أنه دخل فى الجب وقد أخرجتموه، فأخرجوه من بين أمتعتكم وإلا صحنا بكم صيحة واحدة، لا تبقى أرواحكم فى أجسامكم، فأخرجوه من بين الأمتعة يهتز كالورقة فى الشجرة، فدنا منه يهودا وقال له إن أقررت لهم بالعبودية نجوت، قال ما أنا إلا عبد. وقيل كان إخوة يوسف قريبا منه حين أخرجوه من الجب فجاءوهم فقالوا عبد لنا أبق، فقال مالك اشتريه، قالوا بعناه لك بعيوبة، فقال بكم؟ ويوسف ينظر إليه وإليهم، وقال فى نفسه ما أظنه يقوم بثمنى، لأنهم يطلبون مالا كثيرا. فقال لهم معى دراهم قليلة معدودة، فشراه كما قال الله سبحانه وتعالى { بثمنٍ بخْسٍ } البخس النقص الظاهر وهو مصدر، وصف به مبالغة أو يأوّل بباخس، أو يقدر مضاف أى ذى بخس، والمراد النقص عن القيمة بالكمية، أو بكونه غير صافى الفضة، بل خلط فيها نحو نحاس، أو بنقصان الوزن، وقال الحسن، ومقاتل، والضحاك، والسدى أراد بالبخس الحرام، لأنه ثمن الحرام، ويسمى الحرام بخسا لأنه ناقص البركة، وعن ابن عباس، وابن مسعود زيوف، وأراد بالزيوف المخلوط فيها نحو نحاس، وقيل أراد نقص الوزن، وعن عكرمة، والشعبى البخس القليل كما مر أولا، وقال قتادة البخس الظلم نقصان الحق. { دَرَاهم } بدل أو بيان الثمن { مَعْدُودةٍ } قال ابن عباس رضى الله عنهما كان سبعة عشر درهما، وقال ابن مسعود، وقتادة عشرين، وهو رواية عن ابن عباس، فاقتسموها درهمين درهمين وهم عشرة، وعن مجاهد، والسدى اثنين وعشرين اقتسموها درهمين درهمين، أخذ أخوه من أبيه وأمه درهمين إذ هم به أحد عشر كذا قيل، وليس كذلك، لأن أخاه لأبيه وأمه لم يحضر لذلك، وكان يعقوب تسلى به، ولم يخرج معهم أيضا يوم ألقوه فى الجب، ولعله خرج يوم بيعة ولم يحضر البيع، ولم يعلم به. وعلى كل قول من تلك الأقوال فالوصف بالمعدودية إشارة إلى القلة، وكانوا فى ذلك الزمان لا يزنون أقل من أربعين درهما، بل يأخذونها عددا، ويأخذون الأربعين فما فوق بالوزن، وتسمى الأربعون درهما وقية، انتهى. وقال فى عرائس القرآن، عن ابن مسعود، وابن عباس، وقتادة، والسدى، وعكرمة أربعين درهما، ثم قال مالك بن ذعر اكتبوا لى كتابا بأيديكم أنكم بعتم لى غلامكم بكذا وكذا، فكتبوا له، وجعل الكتاب بجيبه، فلما أرادوا الرحيل قالوا اربطه بحبل شديد لكيلا يهرب، فلما همَّ بذلك قال له يوسف لى إليك حاجة، قال وما هى؟ قال تخلينى أودع سادتى فلعلى لا ألقاهم بعد، فقال له مالك ما أكرمك من مملوك عجيب تتقرب منهم وهم فعلوا بك ما فعلوا، فقال كل أحد يفعل ما يليق به، فقصد نحوهم وهم قيام صفا واحدا، فلما دنا منهم بكوا وبكى يوسف، ثم عانقهم واحدا واحدا ويقول يا إخوتى حفظكم الله وإن لم تحفظونى، آواكم الله وإن طردتمونى، رحمكم الله وإن لم ترحمونى.

السابقالتالي
2 3 4 5