الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَاءَتْ سَيَّارَةٌ فَأَرْسَلُواْ وَارِدَهُمْ فَأَدْلَىٰ دَلْوَهُ قَالَ يٰبُشْرَىٰ هَـٰذَا غُلاَمٌ وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَعْمَلُونَ }

{ وجَاءتْ سيَّارةٌ } رفقه من الأعراب يسيرون من مدين إلى مصر، وقيل مسافرون من مدين إلى مصر، فأخطئوا الطريق، ونزلوا قريبا من الجب، وكان فى قفره بعيدة من العمران، لم يكن ألا للرعاة، وكان ماؤه ملحا فعذب حين ألقى فيه يوسف، وقد مر غير ذلك وقيل إن ذلك فى اليوم الذى ألقى فيه كما مر، وقيل فى الثانى. { فأرْسَلوا } حين نزلوا، وقيل قبل النزول { وَارِدَهُم } الذى يرد الماء ليستقى لهم، والمشهور أنه الذى يتقدم الرفقة للماء، ويطلق على الواحد والجمع، وهو هنا رجل من أهل مدين، وقيل من أعرابها يسمى مالك بن ذعر الخزاعى، وقيل الوارد الرسول، لأنه يرد الموضع الذى أرسل إليه قيل المعنى فأرسوا رسولهم. { فأدْلَى } أنزل فى الجب { دَلْوه } ليأخذ بها الماء، فتعلق يوسف بالحبل، فلما رآه إذا هو بغلام أحسن ما يكون { قالَ يا بُشْرَى } أى يا بشارتى هذا أوانك فاحضرى، ونداءها مجاز بإضافة البشرى إلى نفسه، وفتح الياء عند نافع، وعنه يا بشرى بإسكانها بنية الوقف، وكذا فتح الياء، وأثبت الفاء قبلها غير حمزة والكسائى، وقرأ ورش الراء بين إخلاص الفتح وإمالته، وعامة أهل الأداء على إخلاص الفتح فى مذهب أبى عمرو، وهو قول ابن مجاهد، وبذلك ورد النص عنه من طريق السوسى، عن اليزيدى وغيره. وقرأ الحسن يا بشراى بقلب الألف ياء وإغامها فى الياء، وكذا قرأ غيره وهو لغة هذيل، قال جار الله سمعت أهل السرور، وهو محلة حمير يقولون فى دعائهم يا سيدى ويا مولاى، وقرأ الكوفيون يا بشرى بألف التأنيث دون إضافة، إلا أن حمزة والكسائى يميلون، وذلك أيضاً نداء للبشرى، أى احضرى فهذا أوانك بشارة لنفسه أو لقومه أو سيده وقيل اسم صاحب له ناداه ليعينه على إخراجه، وقيل ذهب به فلما دنا من أصحابه صاح بذلك يبشرهم. { هَذا غلامٌ } ولما خرج بكى عليه الجب، وفى رواية أن مالك ابن ذعر كان يسكن بمصر، فرأى فى منامه حال صغره كأنه فى أرض كنعان، فنزلت الشمس من السماء فدخلت فى كمه، ثم أخرجها فأقامها بين يديه، فأتت سحابة بيضاء فنثرت عليه الدر وهو يلتقطه ويجمعه فى صندوق له، فذهب إلى المعبر ليسمع تأويل رؤياه، فقال له لا أعبر لك إلا ببذل وإحسان، فقال المعبر خذ دينارين وفسر لى رؤياى، فقال له تصيب عبدا وليس بعبد، وتصيب به الغنى، ويبقى الغنى فى أولادك إلى يوم القيامة، وتنجوا من النار ببركته، وتصير لك أولاد، ويبقى اسمك وذكرك أبدا. فانصرف وتجهز للسفر طمعا فى أن يراه، وقصد دمشق فاجتاز بأرض كنعان، فبقى تارة ينظر إلى السماء، وتارة ينظر إلى الأرض، ينتظر ذلك، فهتف به هاتف هيهات بينك وبين ذلك خمسون سنة، وكان يختلف إلى أرض الشام مرتين فى كل عام طمعا فى لقائه.

السابقالتالي
2 3