الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءُوۤا أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ } * { قَالُواْ يَٰأَبَانَآ إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ ٱلذِّئْبُ وَمَآ أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لَّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ }

{ وجَاءُوا أباهُم عشَاءً } وقت العشاء ليكونوا فى الظلمة، أجرى على الاعتذار، وقد قيل لا تطلب الحاجة بالليل، فإن المياه فى العينين ولا تعتذر بالنهار فتتلجلج بالاعتذار، ولا تقدر على تمامه، ذكر ذلك فى عرائس القرآن، وقيل العشاء آخر النهار، وقرأ الحسن عشيا بتصغير عشى، وقال ابن جنى قرأ الحسن عشى بالضم والقصر جمع أعشى أى كالرجل الأعشى القليل البصر لبكائهم، وهم على الأولين ظرف، وعلى الثلاثة حال. { يَبْكُون } حال، روى أنهم لما ألقوه فى الجب عمدوا إلى سخلة من الغنم فذبحوها، ولطخوا بدمها قميص يوسف وشووها، وأكلوا لحمها، ثم رجعوا إلى يعقوب فوجدوه قاعدا على قارعة الطريق ينتظرهم متى يأتون بيوسف، فلما دنوا منه صرخوا صرخة واحدة، ورفعوا أصواتهم بالبكاء، فعلم يعقوب أنهم قد أصيبوا بمصيبة، فلما رآهم اجتمعوا وتقدموا بين يديه، وشقوا جيبوهم، وبكوا ففزع وقال ما بالكم يأتينى، وأين يوسف؟ فقالوا ما أخبرنا الله سبحانه، وتعالى به إذ قال { قالُوا يا أبانا } الخ وهذا قميصه ملطخ بدمه، ولما سمع كلامهم خر مغشيا عليه إلى الصباح وبكوا عليه جميعا فقالوا فيما بينهم بئس ما فعلنا بيوسف ووالده، وأى عذر لنا عند الله تعالى، ولما أفاق التفت إليهم وقال هكذا ظنى بكم، بئس ما فعلتم وسولت لكم أنفسكم. وروى أنه سمع بكاءهم فخرج إليهم، فلما رآهم قال بالله سألتكم يا بنى هلا أصابكم شئ فى غنمكم؟ قالوا لا، قال فما أصابكم وأين يوسف؟ فقالوا يا أبانا الخ. روى أن امرأة حاكمت إلى شريح فبكت، فقال له الشعبى وقيل رجل سواه يا أبا أمية أما تراها تبكى؟ فقال قد جاء إخوة يوسف يبكون وهم ظلمة، ولا ينبغى لأحد أن يقضى إلا بما أمر أن يقضى به من السنة الرضية، وأنشدوا
واغرك من شيخ بكاء ومملقة أم اللحية البيضاء للنطق مطلقه فإن بنى يعقوب جاءوا أباهم عشاء وهم يبكون زوراً ومخرقة   
{ إنَّا ذَهبْنا نَسْتبِقُ } على أرجلنا ليتبين أبينا أسرع سعيا، وأخف حركة، قاله السدى، قلت هو الصحيح، وقال مقاتل نستبق إلى الصيد، وقال ابن عباس نتناضل، أى نتعلم التضارب بالسيوف، فالمعنى يتعاطى كل منا أن نتسابق، وقيل خبر ذهب إلى أنه بمعنى شرع، فعمل ككان، ونستبق نفتعل بمعنى نتفاعل كارتموا تراموا. { وتَرَكْنا يُوسفَ عنْدَ متَاعِنا } ثيابنا وما أتينا به من يفوت الآخر بالضرب وقال الزجاج ترامى فالمعنى يتعاطى كل أن يسبق الآخر بحسن الرمى، أو أن تبعد رمية عن رمية الآخر، وعلى الأول فالذهاب أول الاستباق من عند يوسف، وعلى غيره ذهبوا إلى موضع غير الذى فيه يوسف والجملة حال مقدرة على تلك الأقوال من فاعل ذهب البلد من نحو طعام. { فأكلَه الذِّئبُ } بغفلتنا عنه بالاستباق { ومَا أنتَ بمؤمنٍ لنَا } بمصدق لنا فى ذلك { ولَو كنَّا صادِقينَ } فيه، أو لو كنا صادقين عندك فى الجملة قبل هذا، أو لو كنا موصوفين بالصدق لشدة محبتك ليوسف وسوء ظنك بنا.