الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً وَقَالَ يٰأَبَتِ هَـٰذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بَيۤ إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ ٱلسِّجْنِ وَجَآءَ بِكُمْ مِّنَ ٱلْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ ٱلشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِيۤ إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَآءُ إِنَّهُ هُوَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } * { رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ ٱلأَحَادِيثِ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي ٱلدُّنُيَا وَٱلآخِرَةِ تَوَفَّنِى مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِٱلصَّالِحِينَ }

{ ورَفَع أبويْهِ } بعد اشتمال داره بمصر عليهما { عَلى العَرشِ } السرير الذى كان يجلس عليه إكراما لهما { وخرُّوا } أى أبواه وإخوته الأحد عشر { له سُجَّداً } بوضع الجباه على الأرض أو غيرها تعظيما له، وكان ذلك تحية جائزة بينهم فى ذلك الزمان، لا عبادة لمخلوق. قال ابن عباس رضى الله عنهما جليس يعقوب عن يمينه، وخالته عن شماله، وإخوته بين يديه، وسجدوا وقالوا فى سجودهم سبحان من ألف بين يوسف وإخوته، ولا تعظيم فوق من عظمه الله بسجود أبيه له وهو نبى، وأى نبى، وفى سجوده إزاحة لأنفتهم عن السجود له، وذلك هو الظاهر عندى. وقيل ليس ذلك سجودا كسجود الصلاة، بل انحناه، وضعَّف بأنه خلاف ظاهر خرورهم سجدا، وقيل سجدوا لله إلى جهة يوسف، تعظيما له، كما يسجد إلى الكعبة. وعن الحسن الهاء فى له لله، أى وخروا لله سجدا وهو ضعيف، وقيل الهاء ليوسف كما مر، لكن على معنى انهم خروا لأجل يوسف سجدا لله وشكرا. وأجمعوا أنه ليس السجود عبادة منهم ليوسف، وظاهر الآية أن السجود كان بعد رفع أبويه على العرش، فهما سجدا له على العرش، أو نزلا، وقيل كان قبله ولكن قدم الرفع اهتماما بذكره. وروى أن يعقوب قال ليوسف بعد ما أفاق أخبرنى ما فعل بك إخوتك يا حبيبى؟ قال يا أبت كان ما كان، وقص عليه قليلا من القصة فغشى عليه، ثم أفاق فقال له يا حبيبى أخبرنى كيف صنعوا بك؟ قال له يا أبت مضى ما مضى فلا تذكر تلك أيام خلت، وقد وصل الحبيب إلى الحبيب، فلله الحمد على ذلك. { وقالَ يا أبتِ هذا } أى سجودكم { تأويلُ رُؤياىَ مِنْ قبلُ } متعلق برؤياى، أو حال من رؤياى، أو متعلق بمحذوف معرف، أى لرؤياى الواقعة من قبل هذا الزمان فى وقت الصبا، وهى رؤيته أحد عشر كوكبا والشمس والقمر ساجدين له. { قَد جَعَلها ربِّى حقا } صدقا، وبين رؤياه وتأويلها قال بعضهم ثمانى عشرة سنة، وقال سلمان أربعون سنة، وأبو صالح، عن ابن عباس اثنتان وعشرون، وابن جبير، وعكرمة، والسدى ست وثلاثون، وقتادة خمس وثلاثون، وابن مسعود سبعون، والفضيل بن عياض ثمانون، وكذا قال الحسن، قال عمره وقت الجب سبع عشرة، وأقام العبودية والسجن والملك ثمانين، ومع أبيه وإخوته وأقاربه ثلاثا وعشرين، ومات لمائة وعشرين، وقيل لمائة وعشر. { وقَدْ أحْسن بى } أى إلىَّ، والمعنى أوصل إلى النعم، أو الباء للإلصاق { إذْ أخْرجنى من السِّجنِ } لم يذكر إخراجه من الجب، مع أن إلقاءه فى الجب أصعب من دخوله } السجن، لئلا يخجلهم بعد ما قال { لا تثريب عليكم اليوم } ولأنه فى مقام تعديد النعم، ونعمة الله عليه فى الإخراج من السجن أعظم منها فى الإخراج من الجب، لأنه أخرج من الجب للرق، وأخرج من السجن للملك، ذكر الوجهين الثعالبى، وزاد الخازن وجها لكنه قول هو أن دخوله الجب كان لحسد إخوته، ودخول السجن لنزول التهمة فكان أعظم نعمة.

السابقالتالي
2 3 4 5 6