الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ قَآئِلٌ مِّنْهُمْ لاَ تَقْتُلُواْ يُوسُفَ وَأَلْقُوهُ فِي غَيَٰبَتِ ٱلْجُبِّ يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ ٱلسَّيَّارَةِ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ }

{ قَالَ قائلٌ منْهُم } هو يهودا، وكان أحسنهم فيه رأيا، وأفضلهم وأعقلهم، وهو القائل { فلن أبرح الأرض } وذلك أنه متصل به سنا، فكانت منه له شفقة وهو الصحيح، وقال قتادة، وابن إسحاق هو روبيل، وكان أكبرهم سنا، وهو ابن خالة يوسف، قال الشيخ هود هو القائل { فلن أبرح الأرض } وقال مجاهد القائل لا تقتلوا هو شمعون، وكان أعظمهم شأنا. { لا تقْتلُوا يُوسفَ } فإن القتل عظيم { وألقوه } الفعل فعل أمر { فى غَيابَاتِ الجُبِّ } أى المواضع التى يغيب فيها عن أعين الناظرين فى الجب، وذلك أن الجب كان واسع الأسفل، فإذا ألقوه فيه سكن أى موضع شاء منه، فإنما سمى قعر الجب غيابة، لأنه يغيب ما فيه، وقرأ غير نافع فى غيابة بالإفراد، وقرأ فى غير العشرة فى غيابات بالتشديد والجمع، وقرأ الجحدرى غيبة بالإفراد والتشديد وإسقاط الألف. والجب البئر التى لم تطو، سميت لأنها قطعت من الأرض مجرد قطع فقط، دون طى، قال قتادة هو بئر فى بلاد بيت المقدس، وقيل بين مصر ومدين، وقال وهب فى أرض الأردن، وكذا قال مقاتل، وزاد إنها على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب عليه السلام، قيل هو فى وادٍ من أوديتها على قارعة الطريق، ولا يرى إلا موشحا مظلما يهلك من طرح فيه لسعة أسفله، إذ لا يمكنه الصعود، وكان صالحا، وقيل ألا يكون فيه ماء، وكانت فيه حيات يهلكن من دخله، وهو من حفر سام ابن نوح يسمى جبّ الأحزان، وكان معروفا يرد عليه كثير من المسافرين، وقيل حفره شداد بن عاد. { يلْتقِطُه بَعضُ السَّيارةِ } جمع سيار، وهو من يكثر السير بالطريق كذا قيل، قلت بل هو اسم جمع، وذلك الالتقاط هو علة الأمر بالطرح فى غيابات الجب، ولذلك جزم فى جوابه، فإذا التقطه بعض السيارة ذهب به إلى ناحية فتسلموا من قتله، وتستريحوا منه، وقرأ الحسن البصرى تلتقطه بالتاء المثناة أوله، قال ابن هشام أنث المضاف لتأنيث المضاف إليه، وساغ ذلك لصلة الاستغناء بالمضاف إليه كما قال، ونظر للمعنى فإن بعض السيارة سيارة والالتقاط الأخذ. { إنْ كُنتُم فاعِلينَ } التفريق بينه وبين أبيه، أو إن كنتم فاعلين به ضرا، أو إن كنتم عاملين بمشورتى، وجواب إن محذوف دل عليه ألقوه، أو لا تقتلوا وألقوه، أى إن كنتم فاعلين للتفريق أو للضر، أو بمشورتى فألقوه فى غيابات الجب، أو فلا تقتلوه وألقوه الخ، ويحتمل أن يكون قائل ذلك مشفقا عليه، راحما له، أى لا تفعلوا شيئا من تفريق وإضرار، وإن كنتم فاعلين ولا بد فأقوه فى غيابات الجب. وروى أن جماعة من الأعراب ألتقطوه وستأتى قصة التقاطه، فلما أجمعوا على التفريق بين يوسف وأبيه، توصلوا إليه بضرب من الحيل، بأن يدخلوا على يعقوب ويكلموه فى إرسال يوسف معهم إلى البرية، قال روبيل إن أباكم لا يأمنكم على يوسف، ولكن انطلقوا بنا إلى يوسف حتى نلعب بين يديه، واذا رآنا كيف نلعب ونمرح فاشتاق إلى ذلك رضى بالخروج معنا، فيطلب من أبينا ذلك.

السابقالتالي
2