الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَآ أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ }

{ قالُوا يا شُعَيبُ ما نفْقَه } ما نفهم { كَثيراً مما تقُولُ } كوجوب التوحيد، وحرمة التطفيف، والبخس، يريدون أنهم لم يفهموا صحة ذلك لعدم ذكره دليلا عليه، وذلك لقصور عقولهم بمعاصيهم وقسوتها، وعدم تفكرهم حتى جعلوا دلائله عدما، أو قالوا ذلك استهانة به، كما تقول، لمن لم تعبأ بكلامه ما أدرى ما تقول، أو زعموا أن كلامه لا يُفهم كثير منه، كهذيان وتخليط كذبا وعنادا، أو لم يفهموا ذلك منه حقيقة إذا لم يلقوا إليه أذهانهم رغبة عنه، وكراهية له. وزعم بعض أنه كان ألثغ، وهو من لا يميز الحروف، كمن يضرب لسانه من الثاء إلى السين، أو من الراء إلى اللام، ومن حرف لآخر. { وإنَّا لَنَراكَ فينا ضَعيفاً } لا قوة لك ولا عز تمتنع بهما عنا لو أردناك بسوء، وقال الحسن، وأبو روق، ومقاتل يعنى ذليلا مهينا، وقال ابن عباس، وقتادة كان أعمى، وكذا قال الزجاج قائلا إنه يقال إن حميرا يسمون الأعمى ضعيفا كما يسمى ضريرا، وذلك ضعيف، لأن حمل القرآن على لغة قريش أولى وأحق، ولأنه لا يناسب المعنى المراد، ولأن قوله { فينا } ينافيه، لأنه يقال فلان فينا ذليل أو حقير أو مهين أو نحو ذلك، ولا يقال فلان فينا أعمى أو أعور أو مريض، ولا يقال ذلك إلا لنكتة، وإلا كان كلاما ضعيفا، وكذلك يرد على القول، فإن الضعيف ضعيف البصر. ولعل مراد صاحبى القولين بيان بعض ما به وصفه بالضعف، فلا إشكال، ولا يتأتى هذا فى كلام الزجاج وأما كون الرسول أعمى أو أزمن فلا يجوز الآن حدث ذلك له بعد التبليغ، وإظهار المعجزة كذا نقول نحن، والمالكية، والشافعية، والحنبلية، والحنفية، والمعتزلة، إلا أن قياس المعتزلة ذلك على القضاء والشهادة غير مقبول لوجود الفرق بأن القضاء يحتاج فيه إلى رؤية المقضى فيه وله وعليه، والشهادة يحتاج فيها إلى رؤية المشهود عليه، وقيل الضعيف العجز عن الكشف، والتصرف، قيل ويدل على صحة القول الأول قوله { ولوْلاَ } إلى آخره، ويبحث فى هذا الاستدلال لأنه هذا أيضا يناسب العمى وضعف البصر والعجز عن الكشف والتصرف، فإن من فيه بعض ذلك سهل القتل، وإنما يمتنع من قتله لأجل رهطه مثلا { رهْطُكَ } قومك من ثلاثة إلى عشرة، وقيل إلى سبعة، وقيل رهطه عشيرته مطلقا. { لَرجَمْناكَ } بالحجارة حتى تموت وهو شر القتل، أو لقتلناك بأصعب وجه برمى حجارة أو غيره، وهذا ظاهر جار الله، أو المراد مطلق القتل، وقيل اللعن والشتم وإغلاظ القول، قلت أو الهجران أو الطرد، وكل ذلك وارد فى الكلام يقبله المقام، والأول أظهر، وليس تركهم الرجم بخوفهم من رهطه لقلة رهطه كما مر، أو لأنهم ولو كانوا عشيرة كثيرة لكنهم أكثر، بل تركوه لعزة الرهط بكونهم على دينهم، لم يختاروه ولم يتبعوه.

السابقالتالي
2