الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالُواْ يٰشُعَيْبُ أَصَلَٰوتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ ءابَاؤُنَآ أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِيۤ أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لأَنتَ ٱلْحَلِيمُ ٱلرَّشِيدُ }

{ قالُوا يا شُعيْبُ أصَلَواتُك } باستفهام التهكم والسخرية، أو التوبيخ والإنكار، والجمع لكثرة صلاته، كأنهم قالوا أصلاتك التى تداوم عليها ليلا ونهارا، وقرأ حفص، وحمزة، والكسائى أصلاتك بالإفراد، وكان أكثر الأنبياء صلاة، قال الحسن لم يبعث الله نبيا إلا فرض عليه الصلاة والزكاة، وقيل المراد بالصلوات الدعوات، وكان كثير الدعاء. وقال الأعمش المراد القراءة والدعاء، وقيل قالوا أدينك فذكر الله عنهم أصلواتك، فإن الصلاة من أعظم شعائر الدين وفيه بعد { تأمُركَ أنْ نَتْركَ } معلوم أن الإنسان لا يؤمر بترك فعل غيره، أو بفعل عين فعل غيره، وإنما يترك الفعل ذلك لغير الفاعل له، ولكن المراد تأمرك بتكليفك إيانا أن نترك، أو بتكليف أن نترك { ما يعبُدُ آباؤنا } أى عبادة ما يعبده آباؤنا من الأصنام. { أنْ نَفْعل فى أمْوالنا ما نَشاءُ } من التطفيف والقطع من الدرهم والدينار وصنعها ناقصة، والتدليس فيها وإجراءها مع الصحيحة النصيحة، وبخس أموال الناس، والعطف على ما، أى أو أن نترك فعلنا ما نشاء فى أموالنا لا على قوله { أن نترك } لأنه لم يأمرهم أن يفعلوا فى أموالهم ما يشاءون إلا على قراءة ابن أبى عبلة، تفعل وتشاء بالتاء فيهما خطابا لشعيب، فالعطف على قوله { أن نترك } أى أو تأمرك أن تفعل ما تشاء فى أموالنا من تحريم التعطفيف فيها والبخس، وإنما أسندوا الأمر للصلاة تهكما بها. وكان من عادة الناس إذا أكثر الرجل فعل شئ جعلوا ذلك الشئ آمره وناهيه، ولأن من رغب فى رتبة من خير أو شر تدعوه تلك الرتبة إلى التزيد من ذلك النوع، فكأنهم قالوا لما خالفتنا بالصلاة، تجاوزت إلى ذم شرعنا وحالنا، فكأن صلاته جسَّرته على ذلك، وأمرته به أمرا باطلا لا يدعو إليه عقل، بل أمر وسوسة من الشيطان، وهذيان وجنون، كما يتولع المجانين والموسوسون ببعض الأقوال من الأفعال. { إنَّكَ لأنْتَ الحَليمُ الرَّشيدُ } فينا موسوما بذلك ومشهورا، فكيف صدر منك الأمر بترك عبادة الأصنام، وترك التصرف فى أموالنا بما نشاء، وخالفت دين قومك، وشققت عصاهم، فهذه الجملة تعليل للإنكار الذى يفيده قولهم أصلواتك، ويحتمل أن يريدوا بها التهكم به، ووصفه بضدها، فالمراد السفيه الغاوى، كما يقال للجبان لو أبصرك عنترة لمات جبناً، وللشحيح لو أبصرك حاتم لسجد لك، أو لاستبخل نفسه. وقال ابن عباس المراد السفيه الغاوى أولا بطريق التهكم، بل بطريق تسمية العرب الشئ باسم ضده، كما يقال للديغ سليم، وللفلاة المهلكة مفازة، وكأنهم تفاءلوا له بالحلم والرشد، وهو عندهم خارج عنهما، وهذا محتمل فى المثالين، أو أرادوا أنك حليم رشيد فى زعمك، فكيف تدعونا إلى ترك ما وجدنا عليه آباءنا، والتصرف فى أموالنا بما نشاء.