الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَجَآءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيِّئَاتِ قَالَ يٰقَوْمِ هَـٰؤُلاۤءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللًّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ }

{ وجاءَه قَومُه يُهرعُون إليْه } يسرعو بالبناء للمفعول من أهرعه بمعنى أسرعه، كأن دافعا دفعهم وعجل بهم لعمل الفاحشة بضيفه النازل به، لما علموا بنزوله عنده، وقال مجاهد إهراعه الدابة لهرولة بها { ومِنْ قَبْل } قبل ذلك الوقت، أو قبل مجيئهم، أو قبل مجئ الضيف، أو قبل نزوله، أو متعلق بقوله { كانُوا } لأن التحقيق أن الأفعال الناقصة دالة على الحديث، فصح التعليق بها أو متعلق بقوله { يعْمَلونَ } والمعنى أنهم من قبل ذلك كانوا يعملون { السَّيِّئات } متعودين لها غير مستقبحين لها، وهى جماع الذكور فى الإدبار، ولذلك جاءوا مجاهرين معلنين، لا يكفهم حياء، والجملة مستأنفة، أو حال ماضية، وعلى الوجهين يجوز أن يكون المراد أنهم كانوا على عهد لوط وعلمه من قبل، يعملون السيئات، ولا مانع من العطف، وإنما جمع السيئة لتكرار الجماع، أو لأن المراد بالسيئات الجماع والضرط فى النادى، وتطريف الأصابع بالحياء، والحذف بالحصى ونحو ذلك، وكانوا ألا يجامعون إلا الغرباء. { قالَ } لوط { هؤلاء } إشارة إلى الإناث { بنَاتى } فتزوَّجوهن، ودعوا لى أضيافى، فدى أضيافه ببناته كرماً وحفظا لهم، وقد طلبوه من قبل ذلك أن يزوجهم بهن، فامتنع لكفرهم وفسقهم، وعدم كونهم أكفاء لهنَّ، ولما تعرضوا لأضيافه سمح بهن سترا لهم، وكان حلا فى شرعه تزويج المؤمنة بالكافر، والمؤمن بالكافرة ولو صنمية، كما زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بنته من عتبة بن أبى لهب، وأبى العاص بن وائل فى أول الإسلام، ثم نزل تحريم ذلكولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن } ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا } وذلك تفسير الحسن. ولا يقال إن للوط بنتين فقط، ولا تكفيان الجماعة فى التزوج، وأنه ليس من المروءة أن يعرض الرجل بناته على أعدائه ليتزوجوهن، فكيف يليق بنبى أن يعرض بناته على كفار؟ لأنا نقول إن الحق أنهن أكثر من اثنتين كما هو ظاهر الجمع واسمه، وأنه لا مروءة أعظم من أن يمنع أضيافه ببناته، ولا كرامة فوق ذلك، وقد حل تزوج الكافر بالمؤمنة فى شرعه، وأن المهرعين إليه كانوا على عدد بناته، أو أقل كما هو ظاهر الذى لا يعدل عنه إلا لدليل، والقوم يجوز إطلاقه على ثلاثة فصاعدا، أو يطلق على اثنين مجازا مع أنه يحتمل أن يقول ذلك على سبيل الدفع لقومه، لا على التحقيق. سلمنا أن له بنتين فقط، والجمع واقع عليهما كما قيل، لكن فى المهرعين إليه سيدان مطاعان، فلو زوجهما بهما لمنعا الباقين عن أضيافه كما قيل. وقال الحسن بن الفضل كان شرعه نكاح المؤمنة بالكافر، وإنما عرض عليهم بناته بشرط الإسلام، ولم يذكر الشرط فى الآية، أو لم يذكره لهما حينئذ استغنى بما جرى بينهم وبينه من طلبهم له أن يزوجهم بهن، وامتناعه إلا أن يسلموا، فلما عرضهن عليهم علموا أنه بشرط الإسلام.

السابقالتالي
2