الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَأُتْبِعُواْ فِي هَـٰذِهِ ٱلدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ أَلاۤ إِنَّ عَاداً كَفَرُواْ رَبَّهُمْ أَلاَ بُعْداً لِّعَادٍ قَوْمِ هُودٍ }

{ وأتْبِعُوا فى هْذهِ الدُّنيا لعنةً ويَومَ القِيامَةِ } معطوف على مجموع الجار والمجرور، ولذلك بقى على انتصاب الظرفية ولم يجر، وأجاز الفارسى عطفه على محل مجرور الذى هو النصب، كأنه لم يشترط فى العطف على المحل ظهور ذلك المحل فى الفصيح، والمراد جعلت اللعنة تابعة لهم فى الدنيا والآخرة على وفق اتباعهم الكفرة، وكلتا اللعنتين من الله سبحانه وتعالى، وقيل المراد بلعنة الدنيا لعنة الناس وبلعنة الآخرة لعنة الله على رءوس الخلائق، وقيل اللعنتان عذاب الدنيا وعذاب الآخرة، وأشار إلى موجب اللعنتين بقوله { ألا إنَّ عاداً كَفَروا ربَّهم } وهو الكفر، أى جحدوا ربهم، أو كفروا نعمة فحذف المضاف، أى ستروها وسترها هو عدم الشكر عليها، كأن لم ينعم بها عليهم، أو كفروا بربهم بالنصب فى هذا على نزع الخافض، ويجوز عندى أن يكون هذا بيانا للعنهم فى الآخرة بأن ينادى عليهم على رءوس أهل المحشر، ألا إن عادا كفروا ربهم. { ألاَ بُعْداً لعادٍ قَوْمِ هُودٍ } انتهى فنجوز على هذا الوجه أن يقدر محذوف، أى ويقال يوم القيامة، أو ينادى يوم القيامة، { ألا إن عاداً } الخ، وعلى ذلك الوجه يكون معنى المجئ بصيغة الدعاء بالبعد، الإشعار ببعدهم عن رضا الله، وعن الجنة، ومقام الخير، أى اعتزلوا بهم أيها الملائكة إلى النار وقدم على ذلك ذكر موجبه وهو الكفر. وأما على أن يكون قوله { ألا إن عاداً كفروا ربهم ألا بعداً لعادٍ قوم هود } مستأنفا لا بيانا للعنة الآخرة، فمعنى الدعاء عليهم بالبعد، وهو الهلاك على هذا، وقد هلكوا قبل هذا الدلالة على أنه أهل للهلاك، وكذا يقال إذا جعلنا اللعنة فى الآخرة والبعد بمعنى واحد على الوجه الذى ذكرت أنه جائز عندى، وذكر الأمرين، وأعاد ذكرهم بالاسم الظاهر تهويلا لأمرهم وتفظيعا له، وتحذير منه، وحثا على الاعتبار بحالهم، وبعداً مفعول مطلق نائب عن عامله، واللام بعده لبيان فاعل البعد، والأصل بعد عاد قوم هود مجئ بالمصدر نائبا عن الفعل وأخر الفاعل وجر اللام. { قوم هود } عطف بيان لزيادة الإيضاح بحيث لا تبقى شبهة واحتراز عن عاد الثانية، وهى عاد إرم، وهى العمالقة، وللإشعار بأن استحقاقهم للبعد بما جرى بينهم وبين صاحبهم هود عليه السلام من التكذيب والعناد.