الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقِيلَ يٰأَرْضُ ٱبْلَعِي مَآءَكِ وَيٰسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ ٱلْمَآءُ وَقُضِيَ ٱلأَمْرُ وَٱسْتَوَتْ عَلَى ٱلْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ ٱلظَّالِمِينَ }

{ وقِيلَ } بعد تناهى الطوفان ومضى مدة { يا أرْضُ ابْلعِى } انشفى، استعار اللفظ الموضوع لجذب الطبيعة لمطعوم من الفم والحلق، وهو لفظ البلع لنشف الماء وتفويره، فاشتق منه ابلعى بمعنى غورى وانشفى { مَاءَكِ } أضافه إليها، لأنه على ظهرها، وليس المراد الماء الذى خرج منها فقط. { ويا سَماء أقْلِعى } أمسكى عن الإمطار، ومعنى أمرها بالإمساك بعد انقطاع نزول مائها، أمرها بالكف عن المعاودة، أو المراد أنه قيل لها حين كان الماء ينزل منها فى أواخر نزوله أقلعى، وقيل للأرض ابلعى بعد ذلك، فكانت تبلع شيئا فشيئا. وروى أن ماء الطوفان عذب، ولما أمر الله الأرض أن تبلع استعصى بعض البقاع فلعنه الله، وصار ماؤه مراً ونزا به سبخا لا ينبت، نادى الأرض والسماء، وأمرهما كالعقلاء، للدلالة على عظم قدرته حيث امتثلنا أمره بفور، لمعرفتهما جلاله، وعقابه. وفى نسخ المغاربة نقطة حمراء على ألف أقلعى، قلت وجهه أن أن همزة أقلعى همزة قطع، لأن ماضيه رباعى وسهلت، فلذلك لم يكتب صفراء، وحكم تسهيلها أن تقرأ بين همزة وواو، ولوقوعها بعد ضمة، ولو سبقتها كسرة لكانت بين ياء وهمزة، وفى غير ذلك بينها وبين ما يناسب حركتها، وذلك قراءة الحرمين وأبى عمرو، حيث اجتمعت همزتان من كلمتين، واختلفت حركتهما، وغيرهم يحققونهما ولا يمكن التسهيل إذا وقف على الأولى. { وغِيضَ الماءُ } أنقص بالبناء للمفعول، وقيل هو بمعنى المبنى للفاعل، أى غاض أى نقص بالبناء للفاعل، والتحقيق الأول، فإن غاض يستعمل متعديا ولازما، وهذا من المتعدى، والأصل غاض الله الماء كما قال الشيخ خالد، وغاضت الأرض الماء، وقرأ فى السبع قيل وغيض بالإشمام. { وقُضِىَ الأمرُ } أنجز ما وعد به من إنجاء المؤمن، وإهلاك الكافر، والجملة معطوفة أو حال. { واسْتَوتْ عَلى الجُودِىِّ } استقرت السفينة على جبل يسمى الجودىّ، وهو بالوصل، وقيل بالجزيرة قرب الموصل، فى موضع يقال له ياقوت، وقيل بالشام، وقيل ببابل، وقيل بناحية آمد، وقيل باقردى. قال مجاهد تشامخت الجبال وتطاولت لئلا ينالها الماء، فعلاها الماء خمسة عشر ذراعا، وتواضع الجودى بأمر ربه فلم يغرق، ورست السفينة عليه، قلت إذا لم يغرق كيف ترسو عليه؟. فالحق أنه غرق، وقد ذهبت هذه السفينة وتلاشت، وقيل بقيت إلى أن أدركها أوائل هذه الأمة، وأخذوا من مساميرها. قال فى عرائس القرآن قال أهل التاريخ، أرسل الله عز وجل الطوفان لثلاث عشرة مضت من آب، سنة تسعمائة وخمسين من عمر نوح، تتمة ألف سنة ومائتين وست وخمسين سنة، من لدن أهبط آدم من الجنة، وركب لعشر خلون من رجب، وخرجوا منها فى عاشر المحرم، وأقاموا فى الفلك ستة أشهر، وصام ذلك اليوم وهو يوم عاشوراء، وأمر بصومه كل من فى السفينة من وحش، وطير، ودابة، وإنس، فصاموا شكراً لله تعالى، وعاش بعد ذلك ثلاثمائة سنة وخمسين سنة، وعمره كان أطول الأنبياء عمراً.

السابقالتالي
2