الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَقَالَ ٱلْمَلأُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَراً مِّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ ٱتَّبَعَكَ إِلاَّ ٱلَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ ٱلرَّأْيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ }

{ فَقالَ الملأ } الأشراف، مِن ملئ بكذا بمعنى أطاقه، وهم ملئوا بالأمر وتدبيره وكفايته، أو على، أى استند وظاهر، فإنهم يتظاهرون ويتساندون، أو سموا بذلك لأنهم يملئون القلوب، أو لامتلائهم بالأحلام والآراء الصائبة. { الَّذين كَفَرُوا مِنْ قَومِه ما نَراكَ إلا بشَراً مثْلَنا } لا مزية لك علينا تخص بها من بيننا بالنبوة ووجوب الطاعة لك، وذلك تعام منهم عن معجزاته، وعدم اعتداد بها، لأنهم إنما يعتدون بأمر الدنيا، أو إشارة إلى أن الرسول إنما يكون مَلَكاً لا بشراً مثلنا، أو تعريض بأنهم أحق بالنبوة منه، لأنهم ذووا مال ودنيا. { وما نَراكَ اتَّبعكَ إلاَّ الَّذينَ هُم أراذِلُنا } أخساؤنا وسفلتنا، كالحاكة والأساكفة، اعتقادا منهم أن الأشرف من له مال وجاه، لم يدروا أن الازدياد فى الدنيا يبعد عن الله، ويضع ولا يرفع، فلذلك كان غالب الأنبياء وأتباعهم فقراء، ليكون حالهم مرغبا فى الآخرة، ومن هذا فى الدنيا، بل غالب من يتبعهم حين يبدوا أمرهم، وهو من يكون عند الناس مستقلا، والمفرد أرذل بفتح الذال، ويجوز كونه جمع أرذل بضمها الذى هو جمع رذل بإسكانها، وعلى هذا هو جمع الجمع. { بَادِىَ الرَّأىِ } من إضافة الصفة إلى الموصوف، أى الرأى البادى، أو الإضافة للبيان، والنصب على الظرفية، ويتعلق بمحذوف، أى اتبعوك وقت حدوث بادى الرأى، فظرفيته إنما هى بالنيابة، وهو اسم فاعل بدا بألف لا بالهمزة يبدوا بالواو كدعا يدعو بمعنى ظهر، أى اتبعوك قبل أن يتوصلوا إلى الرأى الباطن السديد، ولو تأملوا لم يتبعوك فى الرأى الذى ظهر، ولعل لهم رأيا أخفوه فى تكذيبك، واسم فاعل بدأ يبدأ بالهمزة فيهما، لكن أبدلت فيه بالجواز إبدالها بعد كسرة ياء، أو على لغة من يقول بدا يبدا بألف فيهما بدلا من الهمزة، والمعنى اتبعوك أول الرأى، ولفظ أول تصح ظرفيته بلا تقدير ما يدل على الظرفية، وقدر بعضهم هنا أيضا وقت حدوث أول الرأى. وقرأ أبو عمرو باداء بالهمزة من بدأ يبدأ بالهمزة، وذكر غيرى أنه يتعلق باتبعك المذكور، أى وما نراك اتبعك فى بادى الرأى إلا الأراذل، وأما غيرهم فلم يتبعك فيه، بل تأمل وتحقق حتى ظهر أنك غير صادق، وأجاز بعضهم تعليقه بأراذل أو نرى. { ومَا نَرَى لكُم عَلينَا مِنْ فَضلٍ } تكونوا ما به أهلا لنبوة، واستحقاق المتابعة، والخطاب لنوح ومن اتبعه، فكأنهم قالوا ليس نوح أهلا للنبوة، ولستم أهلا أن تكون فيكم، بأن يكون صاحبها منكم، فليس نوح أهلا لها لذاته، ولكونه فيكم، وغالب المخاطب وهو نوح على الغائبين وهم من اتبعه، وكذا فى قوله { بَلْ نظنُّكم كَاذِبينَ } نظنك كاذِبا فى دعوى الرسالة، ونظنهم كاذبين فى دعوى صدقك، ويجوز كون الخطاب لنوح عليه السلام وحده، تعظيما له تبعا منهم، لعنهم الله، للمنصب الذى يذكره من نفسه، وهو منصب الرسالة، ولو كانوا مكذبين به ومتهاونين.