الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ مَن كَانَ يُرِيدُ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ }

{ مَنْ كانَ يُريدُ الحياةَ الدُّنْيا } بأعماله الحسنة كالقراءة، وصلة الرحم، والصدقة، والجهاد، وفك الأسير، وغير ذلك مما يفعله الموحد والمشرك { وزِينَتَها } كالرياسة ونفوذ الأمر، وسعة الرزق، وكثرة الأولاد. { نُوفِّ } وقرأ الحسن بإثبات الياء والتخفيف، فإن الشرط ماض، فأهملت الأداة عن العمل فى الجواب لما أهملت عن العمل فى لفظ الشرط، أو التقدير فقد نوفى، أو فنحن نوفى، وسهل حذف الفاء حذف ما اتصل بها، وقرأ يوفى بالياء المثناة التحتية أولا، أى يوف الله، وقرأ توف بالمثناة الفوقية والبناء للمفعول، ورفع أعمال { إلَيهم أعمالَهم } أى نوصل إليهم جزاء أعمالهم { فِيهَا } فى الدنيا كالصحة والرياسة، ونفوذ الأمر، وسعة الرزق، وكثرة الأولاد، والثناء عليهم، واشتهارهم. { وهُم فِيها لا يُبخسُون } لا ينقص الله شيئا من أجور أعمالهم فى الدنيا، حتى أنهم ليوفون يوم القيامة ومالهم حسنة، فيأتى المشرك وقد أكل فى الدنيا ماله من طيب، على صلته للرحم، وفكه الأسير، وصدقته ونحو ذلك، ويأتى المنافق وقد جاهد قصدا للغنيمة فغنم فيما له إلا سهمه فى الغنيمة، ويأتى بعمل عمله رياء، فيقال له عملت ليقال فقد قيل، ويقال ارجع إلى من عملت له يجازك، وقد قال الله " أنا أغنى الشركاء عن الشركة، فمن اشرك أحدا فى عملى تركته لمن أشركه معى ". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " من تعلم علما لغير الله، أو أراد به غيره فليتبوأ مقعده من النار، وإن فى جهنم جُبّ الحزن، وهو واد تعوذ منه جهنم كل يوم مائة مرة يدخله القراء المراءون، وإن أخوف ما أخاف على أمتى الشرك الأصغر وهو الرياء، وإن أول خلق تسعَّر بهم النار جامع القرآن، والقتيل فى الجهاد، وجامع المال وذلك فى غير الله ". وعن قتادة، عن أنس أن الآية فى اليهود والنصارى، وكذا قال الحسن، وقال الضحاك فى المشركين عموما، وقيل فى المنافقين الذين جاهدوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لأجل الغنيمة، وقال مجاهد فى أهل الرياء، يقال للقارئ أردت أن يقال فلان قارئ فقد قيل ذلك، ولمن وصل الرحم وتصدق وفعلت حتى يقال فقيل، ولمن قاتل وقتل قاتلت حتى يقال فلان جرئ فقد قيل. والتعميم عندى أولى، لأن الأعمال بالنيات، ولا يعطى الإنسان إلا على وجه قصده، وهب أن الآية نزلت فى خاص لكن لفظها عام، والعبرة بعموم اللفظ لا مخصوص السبب، وقد تقدم أن هذه الآية مقيدة بآية الإسراءمن كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد } فليس كل من أراد العاجلة أعطى، وأما المؤمن فيثاب على عمله فى الدنيا والآخرة، أو يدخر له ثوابه كله إلى الآخرة.