الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ ٱلْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْفَسَادِ فِي ٱلأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَٱتَّبَعَ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مَآ أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ }

{ فلَوْلا } أى هذا وهى للتوبيخ التنديم، ويجوز أن تكون للتحضيض تنزيلا للماضين منزلة الحاضرين، وأن تكون للتحضيض باعتبار المخاطبين، ولو كان اللفظ متوجها للماضين { كانَ مِنَ القُرونِ } الأمم. { مِنْ قَبْلكُم } كقوم نوح، وعاد، وثمود، حال من القرون { أولُوا بقيَّةٍ } أى أصحاب دين وفضل وعقل ورأى، وسمى الخير بقية لأنه يستبقى الإنسان ما هو أفضل ما يخرجه وأجوده، يقال فلان بقية القوم، أى خيارهم، وقيل المعنى بقية من خير، وقيل إن الشرائع والدول قوتها فى أولها، ثم لا تزال تضعف ممن ثبت فى وقت الضعف، فهو بقية الصدر الأول، ويجوز أن يكون مصدرا بمعنى البقوى، كالتقية بمعنى التقوى، أى أصحاب بقاء على أنفسهم، أى ترحم لها وصيانة من العذاب، ويؤيده أنه قرئ أولوا بقية بفتح الباء وإسكان القاف، وهى المرة من البقاء كضربة وجلسة، وهى المراقبة أى أولوا مراقبة وخشية من انتقام الله، يقال بقاه يبقيه بقية إذا راقبه. { ينْهونَ عَن الفَسادِ } الكفر والمعاصى والظلم فى الأرض، والمراد انتفاء ذلك منهم، وفى الآية تنبيه على تغيير المنكر وحض إليه { إلاَّ قليلاً } استثناء منقطع لكن قليل { ممَّنْ } بيان للقليل لا تبعيض { أنْجَينا منْهُم } من العذاب الاستئصال، قد نهوا عن الفساد، ومن هذه للتبعيض، ويجوز أن تكون للابتداء على حذف مضاف، أى من عذابهم، ويجوز أن يكون الاستثناء متصلا باعتبار النفى اللازم من التحضيض أو التنديم، فإن التحضيض والتنديم إنما يكونان على ما لم يكن، كأنه قيل ما كان من القرون أولوا بقية إلا قليلا، والقليل هم أتباع الأنبياء فى زمانهم بدليل { ممن أنجينا منهم }. { واتَّبعَ الَّذينَ ظَلمُوا } بالفساد أو ترك النهى { ما أتْرِفُوا فيهِ } أى ما نعموا فيه من اللذات والشهوات، واهتموا بتحصيل أسباب ذلك، وأعرضوا عما وراء ذلك من أمر الدين والنهى، والعطف على محذوف، أى لم ينهوا واتبع الذين ظلموا، وقرأ أبو عمرو فى رواية الجعفى وأتبع بضم الهمزة وتخفيف التاء وكسر الباء، أى أتبعهم الله جزاء ما أترفوا فيه، فتكون الواو للحال، ويجوز على قراءة الجمهور بوصل الهمزة وتشديد التاء وفتح الباء، أن تكون الواو للحال، والذين مفعول، وما فاعل، أى وقد تبعهم جزاء ما أترفوا فيه، ويقويه تقدم إنجاء الناهين، لأن تقدمه يناسب أن يبين هلاك من لم ينه. { وكانُوا مُجرِمينَ } كافرين عطف على المحذوف المعطوف عليه، اتبع الذين أو على اتبع الذين، أو معترض بين به سبب الإهلاك، وهو كثرة الظلم واتباع الشهوات، وترك المنهى عن المنكرات والكفر، فإن النهى والأمر ركنان من أركان الدين.