الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَرْكَنُوۤاْ إِلَى ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ ٱلنَّارُ وَمَا لَكُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ مِنْ أَوْلِيَآءَ ثُمَّ لاَ تُنصَرُونَ } * { وَأَقِمِ ٱلصَّلاَةَ طَرَفَيِ ٱلنَّهَارِ وَزُلَفاً مِّنَ ٱلَّيْلِ إِنَّ ٱلْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ ٱلسَّـيِّئَاتِ ذٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ }

{ ولا تَرْكنُوا } لا تميلوا بقلوبكم محبة، وقرئ بضم الكاف، وقرئ تركنوا بكسر التاء وفتح الكاف على لغة تميم فى كسر حرف المضارعة غير الياء فيما كان من باب علم يعلم، وهو رواية عن أبى عمرو وقرأ ابن أبى عبلة بالبناء للمفعول من أركنه إذا أماله، أى احذروا أن يميلكم أحد أو أمر. { إلَى الَّذينَ ظَلمُوا } ظلم شرك أو نفاق، وقيل ظلم شرك، ويدخل النفاق بالحمد والمعنى، وقال ابن العالية الركون إليهم الرضا بأعمالهم، وقال السدى، وابن زيد مداهنتهم، وقال عكرمة طاعتهم. والتحقيق أن النهى متناول للانحطاط فى هواهم، والانقطاع إليهم، ومصاحبتهم ومجالستهم، وزيارتهم ومداهنتهم، والرضا بأعمالهم، والتشبه بهم، والتزيى بزيهم، ومد العين إلى زهرتهم، وذكرهم بما فيه تعظيم لهم، وتأمل كيف عظم أمر الركون إذ قال { ولا تركنوا } فإن أدنى ميل يسمى ركونا، وإذ قال { إلى الذين ظلموا } فعبر بالفعل ولم يقل الظالمين ليدل على أدنى ظلم صدر من الإنسان ولو مرة واحدة، ولو عبر بالظالمين لتبادر الرسوخ فى الظلم، فإذا كان الركون إلى من وجد منه أدنى ظلم ولو مرة حراما، فكيف الركون إلى الراسخ فى الظلم؟ وكيف الميل إليه كل الميل؟ فكيف الظلم الراسخ نفسه. صلى الموفق خلف إمام فقرأ هذه الآية فغشى عليه، ثم أفاق فقيل له، فقال هذا فى من ركن إلى من ظلم فكيف بالظالم، وعن الحسن جعل الله الدين بين لاءين لا تطغوا، ولا تركنوا، ولا يبعد أن الآنة أبلغ نهى فى الظلم إذ حرم أدنى ميل إلى أدنى ظلم، وأوجب عليه النار إذ قال { فتمسَّكُم } تصيبكم وقرأ أبو عمرو فى رواية بكسر التاء { النَّارُ } والنهى عنه تثبيت على الاستقامة، قال ابن مسعود رضى الله عنه إن الرجل ليدخل على السلطان ومعه دينه، فيخرج ولا دين له، لأنه يرضيه بسخط الله. قال بعضهم ما دخلت أبداً على السلطان إلا وحاسبت نفسى بعد الخروج، فأرى عليها الدرك، وأنا أغلظ عليه وأخالف هواه، ولوددت أنى أنجو من الدخول كفافا، مع أنى لا آخذ منهم شيئا، ولا أشرب لهم شربة ماء. وأول من خالط السلاطين من العلماء الزهرى، وكتب إليه أخ له فى الدين عافانا الله وإياك أبا بكر من الفتن، فقد أصبحت بحال ينبغى لمن عرفك أن يدعو لك الله أن يرحمك، أصبحت شيخا كبيرا، وقد أثقلتك نعم الله بما فهمك من كتابه، وعلمك من سنة نبيِّه، وليس كذلك أخذ الله الميثاق على العلماء، قال الله سبحانه وتعالى لنبيهلتبيننه للناس ولا تكتمونه } لو أعلم أن أيسر ما ارتكبت، وأخف ما احتملت، أنك آنست وحشة الظالم، وسهلت سبيل الغنى بذنوبك ممن لم يؤد حقا، ولم يترك باطلا حين أدناك، اتخذوك قطبا تدور عليك رحى باطلهم، وجسرا يعبرون عليك إلى بلائهم، وسلما يصعدون فيك إلى ضلالهم، يدخلون الشك على العلماء، ويقتادون بك قلوب الجهلاء، فما أيسر ما عمروا لك فى جنب ما خربوا عليك، وما أكثر ما أخذوا منك فيما أفسدوا عليك من دينك، فما يؤمنك أن تكون ممن قال الله فيهم

السابقالتالي
2 3 4