الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلأَرْضُ إِلاَّ مَا شَآءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ }

{ خَالدِينَ فيهَا ما دَامت السَّماواتُ والأرضُ } وهن دائمات أبدا لا ينقطعن، فهم خالدون فى النار أبدا، لا يخرجون منها، سواء المشرك، والموحد المصر، والمراد سماوات الآخرة وأرضها، تفنى سماوات الدنيا وأرضها، وتعقبها سماوات الآخرة وأرضها، وهى أرض الجنة، وهى دائمة ولا يفنين، قال الله سبحانهيوم تبدَّل الأرض غير الأرض والسماوات } وقالوأورثنا الأرض نتبوّأ من الجنة حيث نشاء } ويجوز أن يراد بالسماوات طبقات الجو والعرش، فجمع السماء نظر لأجزاء العرش، فإن كل جزء منه سماء لما تحته، أو المراد بالسماوات ما يعلو أهل الجنة من سقوف حسان، وأهل النار من طبقات النيران، وبالأرض أرض الجنة وأرض النار. وإن قلت ذلك تشبيه بما لا يعرف، وأكثر الخلق وجوده ودوامه، ومن عرف ذلك فإنما يعرفه بما يدل على دوام الثواب والعذاب، فلا يجزى له التشبيه؟ قلت نكفى معرفة البعض بذلك كرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيبين من عرف لمن لم يعرف، بل لا نسلم أن ذلك تشبيه بما لا يعرف، بل هو تشبيه ما لا يعرف بما يعرف، إذ شبهت تلك الدار بهذه، أو ثبتت لها ما لهذه من سماء وأرض، ووجه الشبه أنهما جسمان، وليس فى ذلك حكم بدوام هذه، فضلا عن أن يقال إثبات الدوام للمشبه به مبنى على عرف المشركين من العرب وعادتهم ونحوهم ممن يعتقد دوامها. وقال ابن عباس رضى الله عنهما خلق الله السماوات والأرض من نور العرش، ثم يردهما فى الآخرة بعد فنائهما، فلهما بقاء دائم، وقيل ذلك عبارة عن التأييد كما تقول لا أكلمك ما دام الجبل فى موضعه، وفى قلبك قطع الكلام عنه، ولو أزال الله الجبل من موضعه، واختار الصفاقصى ما ذكرته أولا مستدلا بقوله سبحانه وتعالىيوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات } والمراد ارتباط الدوام فى النار، بدوام السماوات والأرض فى تلك الأقوال، إلا القول الأخير، وبل لو أريد الارتباط على هذا القول الأخير لم يلزم من زوال السماوات والأرض زوال الأشقياء عن النار، ولا من دوامهما فيها، لأن المفهوم وهو هنا ما فهم من دوام تقييد بدوامهما، لا يقوم المنطوق وهو سائر النصوص الدالة على تأييد دوامهم فيها لقوله هنا { خالدين فيها } كما زعم بعض، لأنه محل البعث. { إلاَّ ما شاءَ ربُّك } أى إلا ما سبقهم به من دخل النار قبلهم قاله الشيخ هود، وهو نقص من مبدأ معين، كما ينقص من انتهاء وهذا فى نفسه صحيح، لكنه لا يلائم الآية لأنها ليست فى أشقياء ثواب مسبوقين بأشقياء أوائل فى الدخول، بل هى فى مجموع الأشقياء، اللهم إلا أن يعتبر المسبوق منهم، فيرد الاستثناء إلى جانبه، فإن مخالفة البعض كاف فى صحة الاستثناء، وذلك استثناء عن خلود على قوله مطلقا.

السابقالتالي
2 3