الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَآ إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّآ آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ ٱلخِزْيِ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ }

{ فَلوْلا } للتوبيخ والتنديم { كانَتْ قَريةٌ } أى أهل قرية، أو أطلق القرية على أهلها للحالية والمحلية { آمنَتْ فَنفَعَها إيمانُها } وبخ أهل القرى وندمهم على ما فاتهم من أن يؤمنوا، فينفعهم إيمانهم، بأن يوقعوه قبل معاينة عذاب وجه إليهم، وذلك أنهم لم يؤمنوا إلا بعد المعاينة، هذا ما ظهر لى فى تفسير الآية، ولولا على الصناعة. وقرأ ابن مسعود فهلا كانت، وكذا فى مصحفه، وليست هلا التحصيصية بل التوبيخية والتنديمية، لأن التحضيض على أمر مستقبل لا ماض فائت، وقد تجعل لولا وهلا فى الآية للتحضيض على تنزيل ما مضى منزلة المستقبل، كأن أهل القرى الموتى أحياء حضهم على الإيمان وقت ينفع، ثم رأيت ابن هشام قال إنها للتوبيخ كما قلت، قال والظاهر أن المعنى على التوبيخ، أى فهلا كانت قرية واحدة من القرى المهلكة تابت عن الكفر قبل مجئ العذاب، فنفعها ذلك، وهو تفسير الأخفش، والكسائى، والفراء، والنحاسى، ويؤيده قراءة أبىّ، وعبد الله بن مسعود فهلا انتهى. { إلاَّ قَومَ يُونسَ } استثناء منقطع، ويجوز أن يكون متصلا، لأن التوبيخ يقتضى عدم الوقوع، والمراد الناس فى قوله { كانت قرية } كما مر، فكأنه قيل ما كانت قرية آمنت بعد معاينة العذاب، فنفعها إيمانها إلا قوم يونس، فلمراعاة معنى النفى من التوبيخ كانت النكرة، وهى قرية للعموم، وذلك أولى من قول الهروى إن لولا هنا حرف نفى، ولا دليل له فى قراءة بعض برفع قوم على البدلية، لأن البدلية كما تجوز بعد النفى الصريح نحو ما قام أحد إلا زيد، تجوز بعد غير الصريح كقولك تغير المنزل إلا النوء والوتد، فباعتبار الظاهر يجب النصب بذكر المستثنى منه، وكذا حيث استتر ضميره، والكلام إيجاب لكن رفع نظرا إلى أن المعنى لم يبق المنزل على حاله إلا النوء والوتد. { لمَّّا آمنُوا } بعد معاينة عذاب وجه إليهم { كَشفْنا } أنزلنا { عَنْهم عَذابَ الخِزْى فى الحَياةِ الدُّنْيا ومتَّعْناهُم } أحييناهم فى منفعة لهم دنيوية وأخروية { إلىَ حِينٍ } هو حين آجالهم، والأكثر أنهم رأوا العذاب، فلذلك صح استثناؤهم ممن رآه فلم ينفعه إيمانه وقيل لم يروه، وعليه فالاستثناء منقطع، وكذا هو منقطع على قول من قال إن أهل تلك القرى آمنوا بعد معاينة العذاب ووقوعه عليهم، لأن قوم يونس عاينوه، ولم يقع عليهم، لكن الظاهر أن العذاب الموجه إلى قوم لكفرهم إذ رأوه، ولو لم يقع عليهم فى حينهم، كالواقع فى أنه لا يرد، ولا تنفع التوبة إلا قوم يونس، فإن لله الحكم بما شاء، وحكمه كله حكمة وعدل. وقيل نفعتهم توبتهم بأنها قبل نزوله عليهم، بخلاف توبة فرعون، فإنها بعد المباشرة، وقيل لصدق نيتهم، بخلاف فرعون، فإن نيته لم تصدق فيما قيل إنما أراد دفع البلية الحاضرة، أو كانت فى شك كما مر.

السابقالتالي
2 3