الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ هُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلشَّمْسَ ضِيَآءً وَٱلْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ ٱلسِّنِينَ وَٱلْحِسَابَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ ذٰلِكَ إِلاَّ بِٱلْحَقِّ يُفَصِّلُ ٱلآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ }

{ هُو الَّذى جَعَل الشَّمسَ ضِياءً } أى ذات ضياء، أو سماها ضياء مبالغة وهو مصدر ضاء يضىء، كقام يقوم قياما، أو جمع ضوء كسوط وسياط، قلبت الواو ياء لتقدم الكسرة عليها، وقرأ ابن كثير فى رواية قنبل هنا، وفى الأنبياء والقصص ضئاء بهمزة قبل الألف وأخرى بعدها، ووجهه أنه قلب الكلمة قلبا مكانياً فكانت الهمزة هى التى لام الكلمة قبل الألف فى موضع العين، والباء التى هى بدل من عين الكلمة التى هى الواو بعد الألف، فلما تطرفت بعد ألف زائد قلبت همزة، كذا يظهر لى فى توجيه هذه القراءة، ثم رأيت بعضه لبعض والحمد لله. وقيل أخر الواو عن الألف وقلبها همزة، وقيل قلبت همزة لوقوعها بين ألفين، ألف الضياء، والألف المبدل عن التنوين فى الوقف وهو ضعيف، وقال الفارسى هذه القراءة غلط. { والقَمَر نُوراً } أى ذا نور، أو سماه نوراً مبالغة، والضياء أقوى من النور، ولذلك نسب الضياء للشمس، والنور للقمر، وإنما وصف الله نفسه بالنور فى قولهالله نور السماوات والأرض } لأنه شبه هداه الذى يهتدى به قوم، ويضل عنه آخرون بالنور فى الليل، ولو شبهه بالضياء لكان مقتضاه أن لا يضل عنه أحد، إذ كان كالشمس، وقيل النور أعم، وقيل الضياء نفس الشىء الذى له شعاع، كجرم الشمس، وجرم النار، والنور الشعاع الواقع بالعَرَض على نحو الأرض والجبل، وعلى جرم القمر، فإن جرمه لا شعاع له، وإنما شعاعه واقع عليه من الشمس، فالآية كالدليل على أن نوره بالعرض لا بالذات، والحق عندى أن الشعاع عَرَض لا جسم. { وقَدَّرهُ } أى قدر القمر { مَنازلَ } أى ذا منازل، فمنازل حال، أو مفعول ثان على تضمين قدر معنى صبراً أو قدر له منازل، فحذف الجار، أو قدر مسير منازل، على أن المسير اسم مكان السير لا مصدر، والمنازل ظرف كذا قيل، ويرده أن المنازل لا ينصب على الظرفية إلا بعامل من لفظه ومعناه، كرميت مرمى زيد، وقعدت مقعده، لأنه ظرف ميمى، وأما أن يجعل المنازل مصدراً ميميا فلا يزول الإشكال به، لأنه كما لم يكن القمر نفس المنازل، لم يكن السير نفسها. وخص القمر بذكر تقدير المنازل، مع أن الشمس مقدرة كذلك، ومنازلهما واحدة، لسرعة مسيره ومعاينة منازله، وإناطة أحكام الشرع به، وبه يعرف انقضاء الشهور والسنين، فإن الشهور المعتبرة فى الشرع مبنية على رؤية الأهلَّة، والمعتبر فيه السنة القمرية، وهى التى تعرفها العرب، ويجرى حسابهم على ذلك، ولذلك علله بقوله { لتعْلَموا عَددَ السِّنينَ و } تعلموا { الحِسابَ } حساب الشهور والأيام، والليالى والساعات، ونقصها وزيدها أو الهاء للكل، أى وقدر كلا من الشمس والقمر منازل، أو للمذكور وهو الشمس والقمر، قيل أو أريدا معاً، لكن اجتزئ بذكر واحد، والمنازل ثمانية وعشرون منزلاً، فى ثمان وعشرين ليلة من كل شهر، ويستتر القمر ليلتين إن كان الشهر من ثلاثين، وليلة إن كان من تسعة وعشرين، وتأتى فى سورة يس إن شاء الله تعالى.

السابقالتالي
2