الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَسَبُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ جَزَآءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُمْ مِّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعاً مِّنَ ٱلْلَّيْلِ مُظْلِماً أُوْلَـٰئِكَ أَصْحَابُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ }

{ والَّذينَ } عطف على الذين { كسبوا السَّيئات } عملوا كبائر شرك أو نفاق، فهو شامل لغير المشرك، والمشرك كما مر أن من أصر على معصية غير داخل فى الذين أحسنوا، فليدخل هنا، ولا مانع من حملنا هنا على المشركين، واستفاد من الآى الأخر، والأحاديث، أن المنافقين مثلهم { جزاءُ سيئةٍ بمِثْلها } عطف على الحسنى، فيكون ذلك من عطف معمولين على معمولى عاملين مختلفين، أحدهما جار، فكأنه قيل وللذين كسبوا السيئات جزاء سيئة، وبمثلها نعت لسيئة، أو متعلق بجزاء. ومعنى جزاء السيئة مقابلتها، والجزاء عليها، وجواز ذلك العطف مذهب الأخفش، والكسائى والفراء، والزجاج ومنعه سيبويه، والمبرد، وابن السراج، وهشام. وقال قوم منهم الأعلم بالجواز أن والى المحفوظ العاطفة كالآية على ذلك التخريج، وكقولك فى الدار عمرو والحجرة بكر، بجر الحجرة ورفع بكر إن لم يله نحو فى الدار زيد وعمرو الحجرة بجر الحجرة لعدم وروده، وعدم تعادل المتعاطفات، وإن كان أحد العاملين غير جار، فقال ابن مالك يمنع إجماعا نحو كان أكلا طعامك عمرو وتمرك بكر، فإن طعامك معمول لأكلا، وعمر ومعمول لكان، ونقل الفارسى الجواز عن جماعة قيل منهم الأخفش، وهذه الجماعة والأخفش تجيزه إذا كان أحد العاملين جارا متأخرا أيضا نحو زيد فى الدار والحجرة عمرو، وليس كما قال المهدوى إنه إذا كان أحدهما جارا متأخرا يمنع إجماعا. ويجوز أن يكون الذين مبتدأ على حذف مضاف خبره جزاء، وجزاء الذين كسبوا الخ، أو خبره { كأنما أغشيت وجوههم } أو { أولئك أصحاب النار } وعليهما فما بين ذلك معترض فيكون جزاء مبتدأ خبر محذوف، أى واقع بمثلها، أو مقدر بمثلها، أو مذكور وهو مثل على أن الباء زائدة. { وترْهقُهم ذِلَّةٌ } وقرء بالمثنات التحتية للفصل، وظهور الفاعل المجازى التأنيث { مَا لَهم مِنَ اللهِ } من متعلق بعاصم بعده { مِنْ } صلة للتأكيد { عَاصمٍ } مانع، أى ما لهم عن سخط الله وعذابه، أو من الأولى متعلقة بمحذوف حال من ضمير الاستقرار فى لهم، على أن عاصم مبتدأ، ولهم خبر، أو بمحذوف حال من عاصم على أنه فاعل للظرف، لاعتماده على النفى، على هذين الوجهين يكون المعنى ليس لهم عند الله عاصم، كما أن للمؤمنين عنده عاصم وهو الملائكة، أو عملهم الحسن، أو توفيق الله سبحانه وتعالى. { كأنَّما أغْشِيتْ وجُوهُهم قِطَعاً } مفعول ثان، والأول نائب الفاعل، وذلك أن أغشى تعدى إلى اثنين بالهمزة، أى جعلت القطع غاشية وجوههم، والمعنى كسيت وجوههم قطعا، والقطع جمع قطعة وهى الجزء من الليل، وقرأ ابن كثير والكسائى ويعقوب بإسكان الطاء { مِنَ اللَّيل } نعت قطع { مُظْلماً } حال من الليل، أى قطعا ثابتة من الليل مظلما، فناصب قطعا أغشيت، وناصب ثابتة أغشيت أيضا، لأن العامل فى المنعوت هو العامل فى النعت، وناصب محل الليل ثابتة، أو من الليل بنيابته عن ثابتة، وعلى إسكان الطاء فمظلما نعت قطعا أو حال منه بوصفه أو من ضميره فى قوله { من الليل } والقطع بإسكان مفرد بمعنى المقطوع كالقطعة، أو جمع كسدرة وسدر، وباب كلم وسدر وشجر يجوز فيه الإفراد والتنكير.

السابقالتالي
2