الرئيسية - التفاسير


* تفسير هميان الزاد إلى دار المعاد / اطفيش (ت 1332 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَمَّآ أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي ٱلأَرْضِ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ يٰأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ مَّتَاعَ ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا ثُمَّ إِلَينَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ }

{ فلمَّا أنْجاهُم } منها { إذَا هُم يبْغُون } يجاوزون الحد بالشرك والمعاصى والفساد، وقرن جواب لما فى هذه الآية ونحوها بإذا، مما يقوى مذهب ابن مالك فى إجازة قرنه بالفاء، وحمل ما ورد منه على ظاهره { فى الأرْضِ بغَيْر الحقِّ } تأكيداً للبغى، فإنه فى الشرع لا يكون إلا بغير الحق، ولو كان بحسب اللغة يطلق أيضا على مجاوزة العدل إلى الإحسان، والفرض إلى النقل، وهدم دور الكفرة، وإحراق زروعهم، وقطع شجره كما فعل صلى الله عليه وسلم بقريظة ونحو ذلك، مما هو مجاوزة بحق، وقد يعتبر هذا المعنى اللغوى وهو مطلق المجاوزة لشىء أو إفساده، فيقيد بقوله { بغير الحق } ليفهموا. { يا أيُّها النَّاسُ إنَّما بغْيكُم عَلى أنفُسِكم } لأن إثمه عليكم، فصح الإخبار لأنه عليكم، أو يقدر مضاف، أى إنما وبال بغيكم على أنفسكم، وذلك مبتدأ وخبر { مَتاعُ الحيَاةِ الدُّنْيا } خبر ثان، أى أنه على أنفسكم، وأنه منفعة لهذه الحياة لا تبقى، والباقى عقابها، أو خبر لمحذوف، أى هو متاع الحياة الدنيا، أو ذلك متاع الحياة الدنيا، ويجوز أن يتعلق { على أنفسكم } ببغيكم، على أن المعنى بغى بعضكم على بعض، وذلك أنهم جنس واحد، فيكون الخبر هو قوله { متاع } وقرأ حفص بنصب متاع، فيكون الخبر محذوفا، أى مذموم أو ضلال، وعلى يتعلق ببغيكم، أو الخبر { على أنفسكم } أو أنفسكم ومتاع مفعول مطلق نوعى لا مؤكد، كما قيل، إلا إن أريد أنه مؤكد لمعنى الجملة قبله، أى تمتعون أو تتمتعون متاع الحياة الدنيا، حذف عامله أو مفعول به لبغيكم استعمالا له بمعنى الطلب، أو لمحذوف دل عليه البغى، أى تطلبون متاعها، وذلك قراءة حفص عن عاصم، وكذا قرأ هارون عن ابن كثير، وقرأ ابن أبى إسحاق متاعاً الحياة الدنيا بنصبهما وتنوين الأول، فالحياة ظرف زمان. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا تمكر ولا تعن ماكراً، ولا تبغ ولا تعن باغياً، ولا تنكث ولا تعن ناكثاً " وتلا الآية. وقال صلى الله عليه وسلم " أسرع الخير ثوابا صلة الرحم، وأعجل الشر عقابا البغى واليمين الفاجرة " وروى " اثنتان يعجلهما الله فى الدنيا، البغى، وعقوق الوالدين " وعن ابن عباس لو بغى جبل لدك الباغى، وكان المأمون يتمثل بهذين البيتين فى أخيه
يا صاحب البغى إن البغى مصرعه فاربع بخير فعال المرء أعدله فلو بغى جبل يوماً على جبل لا ندك منه أعاليه وأسفله   
ويقال من سلب نعمة غيره، سلب غيره نعمته، وعن على بن أبى طالب يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم، وعن محمد بن كعب ثلاث من كن فيه كن عليه البغى والنكث والمكر. { ثمَّ إليْنا مَرْجِعكُم } فى القيامة، أو بالبعث { فنُنبئكُم } وقرأت سرقة بالتحتية، أى فينبئكم الله على طريق الالتفات { بما كُنتُم تَعْملون } فيجازيكم عليه، أو التنبئة كناية عن المجازات والدنيا وأنال منها الإنسان ما أراد من بغى ولذة هى كما قال الله سبحانه.