قوله: { يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ }. ذكروا عن الحسن قال: " قال رجل من المنافقين لرجل من المسلمين: إن كان ما يقول محمد حقاً لنحن أشرُّ من الحمير. فقال المسلم: فأنا أشهد أن ما يقول محمد صلى الله عليه وسلم حق وإنك شر من حمار. ثم أتى النبي عليه السلام فأخبره بذلك. فأرسل النبي إلى المنافق فقال:أَقُلتَ كذا وكذا فقال: [والله] يا رسول الله ما قلته، [وحلف المسلم لقد قاله] فأنزل الله: { يَحْلِفُونَ بِاللهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ } " أي بعد إقرارهم وتوحيدهم. { وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا } قال مجاهد: هو المنافق الذي قال ما قال، أراد أن يقتل المسلم الذي أخبر النبي عليه السلام يقول المنافق للمؤمن: إن كان ما يقوله محمد حقاً فنحن أشر من الحمير. قال بعضهم: بإظهار النفاق. وكان يقول: كانوا نفراً، وكان الرجل الذي أخبر النبي عليه السلام حاضرَهم حين قال بعضهم: لئن كان ما يقول محمد حقاً لنحن أشر من الحمير؛ فلم يفطنوا بمكان الرجل، فأرعب الله قلوبهم، فقال في سورة الأحزاب:{ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ } [الأحزاب:60] بالنبي وأصحابه، وهم المنافقون، يقولون: يهلك محمد وأصحابه، ونرجع إلى دين مشركي العرب. وقال بعضهم: نزل هذا حين قالوا:{ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ } [المنافقون:8] فقال الله لئن لم ينتهوا عن إرجافهم وإظهارهم نفاقَهم { لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ } أي لنسلِطنَّك عليهم فتقتلهم،{ ثُمَّ لاَ يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلاَّ قَلِيلاً } [الاحزاب:60]. وقال بعضهم: { وَهَمُّوا بِمَا لَمْ يَنَالُوا } أي: حين قالوا { لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى المَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ }. قوله: { وَمَا نَقَمُوا إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ } يقول: لم ينقموا من الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أنهم أصابوا الغنى في الدنيا، ولو تمسّكوا به لأصابوا الجنة في الآخرة. وهو كقوله:{ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمُ إِلاَّ أَن يُّؤْمِنُوا بِاللهِ العَزِيزِ الحَمِيدِ } [البروج:8] وكقوله: { يَا أَهْلَ الكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ ءَامَنَّا بِاللهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ }. قوله: { فَإِن يَتُوبُوا } أي: يرجعوا عن نفاقهم { يَكُ خَيْراً لَّهُمْ وَإِن يَتَوَلَّوْا } عن التوبة، ويباينوا بالنفاق { يُعَذِّبْهُمُ اللهُ عَذَاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيَا } بالسيف { وَالأَخِرَةِ } بالنار { وَمَا لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِن وَلِيٍّ } يمنعهم من عذاب الله { وَلاَ نَصِيرٍ }.