قوله: { إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَهَاجَرُوا } أي إلى المدينة { وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ } يعني المهاجرين { وَالَّذِينَ ءَاوَوا وَّنَصَرُوا } يعني الأنصار آووا المهاجرين لأنهم أهل الدار ونصروا الله ورسوله. { أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } يعني المهاجرين والأنصار. ذكروا أن المهاجرين قالوا: يا رسول الله، ما رأينا مثل قوم قدمنا عليهم أحسن بذلاً في كثير، ولا أحسن مواساة في قليل، قد كفونا المؤونة، وأشركونا في المَهْنَإِ؛ قد خشينا أن يذهبوا بالأجر كله. قال: كلاّ ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم. قوله: { وَالَّذِينَءَامَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا } هذا في الميراث. قال بعضهم: نزلت هذه الآية فتوارث المسلمون زماناً بالهجرة. وكان الأَعرابي المسلم لا يرث من قريبه المهاجر شيئاً. [ثم نسخ ذلك] في سورة الأحزاب في هذه الآية:{ وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالمُهَاجِرِينَ } [الأحزاب:6] فخلط الله المؤمنين بعضهم ببعض وصارت المواريث بالملل. غير واحد من العلماء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا يتوارث أهل ملتين " ذكر عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يرث الكافر المسلم ولا المسلم الكافر، لا يتوارث أهل ملتين شتى " وقال الحسن: أراد أن يحض الأَعراب على الهجرة، فلم يكن الأَعرابي يرث المهاجر ولا المهاجر الأَعرابي. وهو منسوخ. قوله: { وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ } لهم، يعني الأعراب، لحرمة الإِسلام. { إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ } يعني أهل الموادعة وأهل العهد من مشركي العرب، من كان بينه وبين رسول الله عهد، فنِهُي المسلمون عن أهل ميثاقهم { وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } أي: لا يخفى عليه شيء من أعمالكم. قوله: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } أي في الألفة والجماعة على معاصي الله. { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ }. نزلت هذه الآية حين أُمِر النبي بقتال المشركين كافة، وقد كان قوم من المشركين يكونون بين رسول الله وبين حربه من قريش. فإذا أرادهم رسول الله قالوا له: ما تريد منا ونحن كافّون عنك، وقد نرى ناركم. وكان أهل الجاهلية يعظمون النار لحرمة قرب الجوار، لأنهم إذا رأوا نارهم فهم جيرانهم. وإذا أرادهم المشركون قالوا: ما تريدون منا ونحن على دينكم. فأنزل الله: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ } أي: فألحقوا المشركين بعضهم ببعض حتى يكون حكمكم فيهم واحداً. { إِلاَّ تَفْعَلُوهُ تَكُن فِتْنَةٌ } أي شرك { فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ }. وقال بعضهم: كان [ينزل] الرجل بين المشركين والمسلمين فيقول: أيهم ظفر كنت معه، فأنزل الله في ذلك.